هيرنان دياز.. الأرجنتيني الذي ابتكر "الواقعية الرأسمالية"

12 مايو 2023
هيرنان دياز في ميلانو، إيطاليا، 2018 (Getty)
+ الخط -

"لا أكتبُ باللغة الإنكليزية لأنني عشتُ هنا منذ خمسة وعشرين عاماً. على العكس من ذلك تماماً، لقد جئتُ إلى هنا، تحديداً إلى مدينة نيويورك، من أجل اللغة الإنكليزية. قبل مجيئي إلى هذه المدينة، عشتُ في لندن مدة عامين. بدأتُ حينها قراءة الأدب بالإنكليزية، وكان ذلك خلال فترة المراهقة. لم أكن أعرف سبب ذلك. لقد كان شيئاً غامضاً في داخلي يحثّني على ذلك. غير أنني انجذبت إلى هذا التقليد بشكل عاطفي لا يُقاوم. لقد وقعت في غرام اللغة الإنكليزية. لقد وقعت في حبِّ هذه اللغة. قد يبدو ذلك مبتذلاً بعض الشيء، لكنني لا أجد طريقة أخرى لشرح لماذا أكتب بالإنكليزية بدلاً من لغتي الأم".

بهذه الكلمات يبرِّر الكاتبُ الأرجنتيني - الأميركي هيرنان دياز (1973) كتابته بلغة شكسبير، هو الذي حصل أول أمس على "جائزة بوليتزر" لعام 2023، عن روايته التي نشرها أولاً، لا بلغته الأم الإسبانية، بل الإنكليزية، تحت عنوان "ثقة"، والتي ستصدر هذا العام بترجمتها الإسبانية تحت عنوان "ثروة".

ولد دياز من أبوين أرجنتينيين في بوينس آيرس، اضطرا للهجرة إلى السويد، بعد انقلاب عام 1976 في بلده الأم، ولم يكن قد تجاوز آنذاك الثلاث سنوات. مع عودة الديمقراطية، رجعت الأسرة إلى البلاد، وأكمل دياز دراسته الجامعية وحصل على إجازة في الأدب، قبل أن ينتقل ليُكمل دراسته في لندن ثم نيويورك، حيث سيستقر هناك منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً.

تستكشف الرأسمالية بطريقة متشابكة عبر أربعة نصوص مختلفة

دخل هيرنان عالَم النشر عام 2012، عندما أصدرَ كتابه الأوّل، وكان عبارة عن دراسة أدبية حملت عنوان "بورخيس: بين التاريخ والخلود"، حيث تناول فيها ظاهرة الكاتب الأرجنتيني وعلاقاته الأدبية بين بلده الأم والولايات المتحدة الأميركية. أمّا روايته الأولى "في المسافات"، فقد نُشرت عام 2017، وتروي أحداث شابٍ سويدي هاجرَ من بلده إلى كاليفورنيا في حقبة "حمى الذهب"، حيث سيحاول عبثاً الذهاب إلى نيويورك، في رحلة بحثٍ عن أخيه لينوس، دون أن يتحدث لغة البلد.

يمرُّ بطل الرواية في مغامرات غريبة، وينتهي به الأمر إلى الانعزال في الجبال حيث سيعيش لسنوات كصيّاد، في وسط الطبيعة الجامحة، دون رؤية أي شخص أو التحدّث مع أحد، في نوعٍ من التدمير المُخطط الذي يمثّل، في الوقت نفسه، ولادةً جديدة. لكن قصته ستُروى وتَكبر، وستجعلهُ مآثرَهُ المُفترضة أسطورةً في البلاد.

أمَّا روايته الثانية "ثقة" (2022) - كما هو عنوانها الأصلي بالإنكليزية - والتي نالت "جائزة بوليتزر"، عن فئة أفضل رواية للعام، فمنذ ظهورها صنفّها النقد الأميركي على أنّها رواية تنتمي إلى جنس ابتكره الكاتب نفسه، وهو الواقعية الرأسمالية، حيث استطاع أن يحلِّل بشكل فعّال مجتمعات الولايات المتحدة الأميركية، وأهم اللحظات الإشكالية فيها، بما في ذلك تقلُّباتها الرأسمالية، وأزمة السنوات التي سبقت "الكساد العظيم" الذي بدأ عام 1929.

ثقة

تقترح رواية "ثقة" ما اعتبره النقد الأميركي طائراً نادراً في عالم الخيال: "إنَّها رواية عن الثروة وأهميتها في إبراز معالم الهوية القومية الأميركية، فهي تستكشف الرأسمالية بطريقة متشابكة عبر أربعة نصوص مختلفة عن بعضها، لكنها كُتبت بغرض واحد فحسب: التفكير في العلاقة بين قوة السرد وقوة المال".

لا شكَ في أن عدم استقرار الخيال، وشفافيته، ومقاومة كل ما هو ثابت كشكل من أشكال الحقيقة يشكّل هاجس هيرنان دياز الروائي، إلّا أن اختياره الكتابة بلغة غير لغته الأم، يحدّد الطريقة التي يتعامل فيها مع العالم، مع الآخرين، ومع نفسه.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون