موسوعة النساء التونسيات": استكمال ما بدأه حسن حسني عبد الوهاب

04 اغسطس 2024
جيزيل حليمي في باريس، 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1988 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أطلق "مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة" في تونس موسوعة رقمية بعنوان "موسوعة النساء التونسيات: مائة امرأة وامرأة"، متاحة بثلاث لغات وتضم 128 سيرة ذاتية لنساء تونسيات بارزات.
- الموسوعة تستند إلى كتاب صدر في 2021، أعدته لجنة علمية بإشراف مبروك المناعي، وتضم جهود 67 باحثاً، وتُبرز محطات بارزة من حياة النساء وأعمالهن.
- تُبرز الموسوعة أهمية التذكُّر المستمر لتقليص عدد المنسيّات في التاريخ الاجتماعي التونسي، وتعتمد على مصادر مكتوبة وشفوية لإبراز نضالات النساء.

"أوّل مرجع علمي شامل يُؤرّخ للاستثناء النسائي التونسي، ويُخلّد تاريخ نساء تونس ورائداتها في جميع الميادين وخلال مختلف العصور". بهذه العبارات، يُعرّف "مركزُ البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة" في تونس العاصمة الموسوعةَ الرقمية التي أطلقها الخميس الماضي بعنوان "موسوعة النساء التونسيات: مائة امرأة وامرأة"، بهدف "التعريف بالمسارات المتفرّدة للنساء التونسيات وتخليد أدوراهنّ الريادية".

تأتي الموسوعة الرقمية (www.encyclopediefemmes.tn) باللغة العربية مع ترجمة إلى اللغتَين الفرنسية والإنكليزية، وتحتوي نحو 128 سيرة ذاتية لنساء تونسيات في مجالات التاريخ والآداب والفنون والعلوم والنضال النسائي، موزّعة على حقب تاريخية مختلفة، تبدأ "من الماضي البعيد على غرار علّيسة والكاهنة وأروى القيروانية وفاطمة الفهرية والجازية الهلالي إلى الحاضر الراهن مثل ميّة الجريبي وأحلام بالحاج ولينا بن مهنّي ونجيبة الحمروني وغيرهنّ من الأيقونات الفاعلات عبر التاريخ".

تُمثّل مضامين المنصّة جزءًا من كتاب صدر في 2021، وأنجزته لجنة علمية أشرف عليها الباحث والأكاديمي مبروك المنّاعي، وتتألّف من عشر باحثات وباحثين؛ هُم: أمّ كلثوم بن حسين، ومنجي بورقو، وزهية جويرو، ونورالدين الدقي، ومنيرة شابوتو، وفاروق العمراني، وسامية القصّاب، وسلسبيل القليبي، وسنيا مبارك، ومحمّد محجوب؛ حيثُ عُهد لكلّ واحد منهم تنسيق محور من محاور الموسوعة الخمسة: الآداب والفنون، والحضارة والتاريخ، والعلوم الاجتماعية والقانونية، والعلوم التجريبية والطبّية، والالتزام والنضال في الحياة العامّة، فيما عُهد بتحرير المضامين ومراجعتها إلى مجموعةٍ تضمّ 67 باحثاً وأكاديمياً من تخصّصات مختلفة.

تحتوي 128 سيرة في التاريخ والآداب والفنون والعلوم والنضال

تتوزّع السيَر في الموسوعة حسب مجالات عمل كلّ امرأة، مع إمكانية الوصول إليها عبر الترتيب الأبجدي؛ حيث تُضيء السيَر محطّات بارزة من حياة المترجَمة وعملها مع صورة أو رسمة لها. ومن بين نساء الموسوعة: المناضلة أسماء بلخوجة (1930 - 2011)، والمناضلة راضية الحداد (1922 - 2003)، والطبيبة والمناضلة النسوية والحقوقية والنقابية أحلام بلحاج (1964 - 2023)، والمحامية والمناضلة النسوية والحقوقية جيزال حليمي (1927 - 2020)، والمناضلة رفيعة برناز (1922 - 2011)، والممثّلات جميلة العرابي (1917 - 1993)، وخديجة السويسي (1944 - 2018)، وحبيبة مسيكة (1903 - 1930)، والفنّانة المسرحية رجاء بن عمار (1954 - 2017)، والكاتبة هند عزوز (1926 - 2015)، والسينمائية كلثوم برناز (1945 - 2016)، والشاعرة فاطمة بن فضيلة (2014 - 1920)، والمهندسة المعمارية المتخصّصة في العمران الحضري سامية العكروت يعيش (1955 - 2015)، وتوحيدة بن الشيخ (1909 - 2010) التي تُعرّفها الموسوعة بأنّها رائدة الطبّ وطبّ النساء والتوليد في تونس والمغرب العربي.

وتتضمّن المنصّة مقدّمةً يرِد فيها أنّ الموسوعة تُمثّل مشروعاً يقوم أساساً على "التذكُّر المستمرّ بشكل يُمكّننا، مع كلّ تحيين وإثراء، من التقليص مِن عدد المنسيّات في التاريخ الاجتماعي التونسي"، وأنّ "كتابة التاريخ كثيراً ما تشهد ظاهرة التغييب لاعتبارات نجد صداها في السياق التاريخي الذي تمّت فيه كلّ كتابة لمرحلة تاريخية ما".

وتُشير الأكاديمية ثريا بالكاهية، وهي مديرة "مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة"، في تقديمها للموسوعة، إلى أنّ الأخيرة تندرج ضمن إسهامات المركز في "حفظ الذاكرة النسائية ورعايتها ونقلها إلى الأجيال القادمة، باعتبار أنّ كلّ الحقب الزمنية قد تمّت تغطيتُها اعتماداً على مدوّنة متنوّعة من الوثائق الأثرية والأدبية والمخطوطات"، مُضيفة أنّ الموسوعة ستتولّى تدوين مسارات عدد من النساء التونسيات البارزات، والإضاءة على مسيراتهن الشخصية والمهنية وأدوارهن في مقاومة الاستعمار الفرنسي ودعم الحركة الوطنية وفي مجالات السياسة والفكر والأدب والفنّ والعلم والقانون والحقوق النسائية، وعلى الصعوبات التي واجهنها والنجاحات التي حقّقنها.

وتلفت بالكاهية، أيضاً، إلى أنّ الموسوعة لم تكتف بالمصادر المكتوبة، بل اعتمدت كذلك المصادر الشفوية "التي كانت ضرورية لإبراز نضالات العديد من النساء اللاّتي تواجدن في الصفوف الأُولى ضمن حركة النضال المسلّح؛ سواء كان ذلك في الفترة الاستعمارية، عبر إسناد الحركة الوطنية، أو في المعارك التي اندلعت مباشرةً بعد الاستقلال، ونذكر معركة الجلاء خاصّة".

تُورد المنصّة، كذلك، تقديماً مطوّلاً لمبروك المنّاعي، يذكر فيها أنّ الموسوعة تستكمل عملاً قام به المؤرّخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب (1884 - 1968) في كتابه "شهيرات التونسيات: بحثٌ تاريخي أدبي في حياة النساء النوابغ بالقطر التونسي من الفتح الإسلامي إلى الزمن الحاضر" الذي صدر عام 1917، ثمّ أعاد "مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة" إصداره عام 2020 في طبعةٍ مزيدة برسومات فنّية.

يُشير المنّاعي إلى ريادة عبد الوهاب في التوثيق لسيَر النساء التونسيات. لكنّه يلفت إلى أنّ كتابه بات اليوم في حاجة إلى الاستكمال، وذلك "باستدراك ما قبله وبإضافة ما بعده"؛ ذلك أنّ "كتابه قد ابتدأ بما سمّاه "الدور العربي"، فأهمل ما سبق ذلك من تراجم نوابغ النساء التونسيات خلال الأدوار التاريخية السابقة، ثمّ انتهى بما سمّاه "الدور الحسيني"، وقد ختمه بترجمة فاطمة عثمانة (النصف الثاني من القرن التاسع عشر). ويذكر المنّاعي، في هذا السياق، أنّ عبد الوهاب عبّر عن رغبته في أن يجيء بعده مَن يواصل عمله؛ حيث كتب في مقدّمة الطبعة الثانية من كتابه (صدرت عام 1965): "والأمل وطيدٌ أن يُضاف قريباً إلى تراجم السابقات "نابغات معاصرات" يُثبتن ما لتونس الناهضة من السمعة الحميدة والشهرة البعيدة والسيرة المثلى في مشارق الأرض ومغاربها".

ما يُميّز "موسوعة النساء التونسيات" عن "شهيرات التونسيات" لحسن حسني عبد الوهاب، وفق المنّاعي، هو تجاوُز فكرة "كتاب تراجم" إلى "تأليفٍ ذي طموح أشمل وأعمق تتجاوز الموادُّ والمداخلُ في نطاقه معطياتِ "السير" إلى العناية بـ"المسارات" والآثار، على أنّ من مبادئ التأليف الموسوعي وخصائصه أن يكون مفتوحاً أبداً، منذوراً للإضافة والإغناء، سواء بزيادة مداخل ومواد تقتضيها الحادثات أو بإغناء الموجود ومراجعته في ضوء المستجدّات". ويضيف الباحث: "ارتأينا أن يكون مدى اختيارنا الزمني لنساء الموسوعة ممتدّاً من بداية تاريخ تونس الموثّق المعلوم إلى زماننا هذا، كما ارتأينا أن يكون المترجَم لهنّ متوفّيات لأنّ مسارهنّ اكتمل".

المساهمون