لطالما كانت الطبيعة ملهمةَ الفنّانين الأولى، من حيث عناصرها وألوانها وسائر موجوداتها. وفي حين بدأت تيارات تشكيلية مختلفة تتناول الطبيعة بطريقة لا تخلو من التعقيد، ولا تركن بسهولة إلى الحالة الانطباعة أمام المَشهد، إلّا أنّه في المقابل ما زالت النظرة القريبة والأولى، أو العتبة البدائية إن صحّ التعبير، هي التحدّي الأكثر كشفاً لغوامض النفس الإنسانية، وطريقة تلقّيها لما تراه.
"رحلة مُواطِن كوني" عنوان المعرض الذي يحتضنه "غاليري Art on 56" في بيروت للتشكيلية اللبنانية هدى بعلبكي، ويستمرّ حتّى التاسع من الشهر الحالي. يُحيل عنوان المعرض إلى صفة قد تبدو واسعة وعمومية نوعاً ما، فالكونية اليوم تذهب بنا إلى حيثُ الحداثة الصلبة والمدن الإسمنتية، ولكن على عكس هذا التصوّر - هو ما تشتغل عليه بعلبكي - لا احتفاء في لوحاتها سوى بالطبيعة، ولا صلابة إلّا ما تُفصح عنه خُضرة الأشجار وبُنّية التراب وزرقة السماء.
وبهذا تعيد تبسيط المَناظِر، وتُرجِع آليّة التّلقي عند المُشاهِد إلى تلك العتبة الأولى التي تحدّثنا عنها، بعيداً عن التعقيد، ودون أن تستعين بأي خطاب بصري غير تلك الدفقة الشعورية التي تقول كلّ شيء، ولا تقوى أساساً على أن تبقي شيئاً طيّ الكتمان.
لكن ما هو هذا "الكوني" وإلى أيّ وِجهة يرتحل؟
لا شكّ أنّ الأعوام السابقة كان لها وقعٌ مؤثّر على حياة الناس، فمن جهة عامّة جائحة كوفيد 19، ومن جهة ثانية أكثر خصوصية تتعلّق بلبنان وما يعايشه مواطنوه من أزمات خانقة سياسية واقتصادية. لذا يمكنُ القول إنّ العودة إلى الطبيعة في أعمال هدى بعلبكي هي نقيض ذلك الاختناق ومحاولة لكسر الاستعصاء في المكان، ورحلة للانتقال من الجمود إلى التحرُّك، ويبرّر هذا التأويل أنّ الفنّانة استغرقت من الوقت عامين وهي تجهّز لهذا المعرض قبل إطلاقه.