"هدهد سين" لعلي مطر.. في مديح الحُبّ

08 سبتمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "هدهد سين" هي مجموعة شعرية للشاعر علي مطر، تتجاوز مئة صفحة، مكرّسة للحب وللمحبوبة "سين"، وتعبر عن تجربة الشاعر الشخصية مع الحب، مما يجعلها تشبه السيرة الذاتية الشعرية، وتتضمن رسومات شوقي يوسف.

- المجموعة تسترجع قصص الحب الشهيرة مثل قيس وليلى، وتعيد إحياء الشعر الذي يمجد الحب والفخر، حيث يعبر الشاعر عن الحب بكل أبعاده من الفخر إلى الغزل والوصف.

- "هدهد سين" تستكشف الحياة اليومية والمدينة الحديثة، وتعبر عن الحب بكل تناقضاته ودراماه، مما يجعلها تعبيراً شاملاً عن تجربة الحب.

"هدهد سين" مجموعة علي مطر الشعرية الجديدة التي طال تأخُّرها. المجموعة التي تتجاوز مئة صفحة بقليل، مكرّسة بكاملها للحُبّ، بل هي منذورة لحُب واحد، بل ولامرأة واحدة ينمّ عنها العنوان. فهدهد سين هو شاعرها، وسين محبوبته، والمجموعة رسائله إليها، بل هي حديثه عنها، إن لم نقل دورانه حولها. "هدهد سين" هي، على نحو ما، تبحُّر واستدعاء وتأمُّل، في ما يلح على أنّه سيرة واحدة.

هكذا ننتبه إلى أنّ المجموعة، من وراء السنين، تسترجع ماضياً للحُب، كان يضمّ اسمَين، فنقول قيس ليلى وكثير عزّة وعنتر عبلة. لنقُل إنّ شعراً كهذا يردّنا إلى أطروحة كاملة عن الحُب، وبُعد شخصي له، وقربى ما بين الشعر والسيرة، بل وتقاطع بين الغناء والحياة الشخصية. لعلّنا، في الوقت ذاته، نذكر أنّ القصيدة الراهنة تغضي تقريباً عن الحُبّ، ولا تقيم من السيرة الخاصّة موضوعاً شاملاً. نزار قبّاني كرّس جانباً أعمّ، من شعره، للحُبّ، لكن الأسماء عنده تعدّدت، ولم تقف على واحدة. اليوم يشطح الشعر بعيداً عن الحياة الخاصّة، لا نجد شعراً مكرَّساً لامرأة باسم معلن، شأن مجموعة علي مطر الأخيرة التي تكاد تجد الحُبّ، بل وامرأةً واحدة، ما يتوازى مع اسم واحد وحكاية خاصّة.

في "هدهد سين" (مرفأ للثقافة والفنون، 2024) ما يُناظر الشعر ويكاد يوازيه، رسوم شوقي يوسف التي هي، على نحو ما، قراءتُه الخاصّة للشعر، وقدرته على خلق ما يقابلها، بل ويبدو إزاءها قصائد مرسومة. نقرأ تحت عنوان لافت "فخر الحب": "لم يَكتب واحدٌ من قبل عن الفخر بالحب". من الواضح أنّ الشاعر هنا يعود إلى أغراض الشعر القديم، بل يصل بين الحُبّ والفخر الذي يردّه موازياً للشعر بكلّيته. كأنّ مطر في ذلك يقول إنّ الحُبّ هو الشعر ويضعه حيث يضع الشعر، بل يجده في قرارته ولبّه "في عمق الصورة/ الحُبّ وحيد/ ونحن نعضّ عليه بأسنان الحُبّ".

غناء لا نعرف متى يستدق ومتى ينخفض، ومتى يغدو تساؤلاً أخرس وفكرة جرداء

الشعر إذاً هو الفخر، ذلك ما يجعلنا نسأل إذا لم يكن الحُبّ هو كلّ أغراض الشعر الكبرى (الفخر، المديح، الغزل، الوصف)، بل ويدعونا إلى سؤال آخر، عمّا هو مكان الحُبّ من المديح، ألسنا نجد هكذا أنّ الحب قد يكون المديح أيضاً، بل نحن، إذا نظرنا إلى المديح في شموله، سنجد أنه تغنٍّ بالحياة كلّها، واحتفال بها، هكذا يبدو مرادفاً للحُبّ، بل ويبدو، من هذا الطريق، موازياً للشعر، إنْ لم يكُن أصلاً له. يمكننا هكذا أن نجد في "هدهد سين" ليس فقط بسطاً للحُبّ وتأمّلاً فيه، بل هو من هذه الناحية عود إلى الحياة، إلى "عمق الصورة" كما يقول مطر: "حين تقرعين جرس الباب/ سيكون كلُّ شيء مرتَّباً بما في ذلك دقّات قلبي".

إذا واكبنا الشاعر في ردّه الشعر إلى أصوله وأغراضه الماضية. إذا وجد في الحُبّ مديحاً وايجاباً وتغنّياً، فإنّ هذا ليس كلّ شيء، الحُبّ ليس فقط بهذا الوجه المتسامي الثريّ المجيد، ليس فقط في مستواه الأعلى، وفي سماواته وجنينته. الحُبّ في شعر مطر ليس أغنية فحسب، ليس جوهراً أو حقيقة فقط، إنّه، في الجهة المقابلة، ما يمكن أن نسمّيه هبوطاً وتدنّياً، بل ما يمكن أن نجد فيه أيضاً المدينة الحديثة بسردها ويومياتها وتفاصيلها، بل ما يمكن أن نجد فيه من دراما الحياة ونزاعاتها، وما يلازم ذلك من عنف وقسوة وشراهة والتهام: "ما عضّ بأسناني وروحي/ بأسنان روحي"، "وتستبدل أنفك بأنف ذبت كي يشم الحقيقة"، و"سأنزل في أيّ أوتيل نسيت فيه/ كيلوتك"، و"كأن نأكل الكاراميل وتأكلني وآكلك"، و"يختم فتقاً في الروح"، و"أركع أمام سين وأفتح فمي كالنمر/ كي ترى وجهها مطبوعاً على كبدي".

يستتبع ذلك سؤال الحُبّ، الذي ليس متعالياً فحسب، بل له أيضاً سلبه ونفيه وانحداره: "حيث لا يمكن تصديق الأشياء وحيث تنعدم النبوءات/ وتكثر بكتيريا الموسيقى وتكثر أيضاً قبلات/ على هيئة نجوم عابرة". للحُبّ أيضاً درسه بل وله نقده، هنا يهبط الحب ليصير فكرة دامغة أو مدموغة "وحين يظنّ الجميع أنّي لا أفعل شيئاً/ سوى أن أصمّم كعبك العالي"، و"لتقل سين قصيدتها/ عن الحُبّ والتبغ والجنس وعلم الأحلام وزهرة اللوتس/ عن المعنى والخيال والبطن والطريق/ وزرّ القميص المفتوح عند الصدر"، ألسنا هنا في أمكنة شتّى، وأغراض شتّى، وأزمنة شتّى، إنّه غناء لا نعرف متى يستدق، ومتى ينخفض، ومتى يغدو تساؤلاً أخرس وفكرة جرداء.


* شاعر وروائي من لبنان

موقف
التحديثات الحية
المساهمون