نوري بيلغه جيلان: بعيداً عن السينما وقريباً من أحوال العالَم وناسه

18 يوليو 2023
طفل جالس على قارب، في الهند، 2014 (من المعرض)
+ الخط -

في اشتغالاته المرجعية حول السينما، يشير الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز إلى مبدأين يشكّلان جوهر الفن السابع: الحركة والزمن. وهو ما يميّز السينما عن التصوير الفوتوغرافي الذي يغيب فيه هذان البُعدان، وهو الذي يسعى إلى العكس تماماً: إلى تثبيت الزمان والمكان وتخليدهما في لقطة ولحظة واحدة.

هذا التباين الكبير بين جوهر الفنّين قد يشرح قلّة التجارب البارزة التي جمعت بين الإخراج السينمائي والتصوير الفوتوغرافي؛ قلّةٌ ينتمي إليها المخرج التركي نوري بيلغه جيلان الذي وقّع أكثر من 15 معرضاً فوتوغرافياً منذ عام 2006.

"في مكان آخَر" هو عنوان معرض جيلان الجديد، الذي يستضيفه "متحف إسطنبول للفن الحديث" حتى نهاية هذا العام (افتُتح مطلع أيار/ مايو الماضي)، ويضمّ 22 صورةً التقطها صاحب "سُبات شتويّ" (2014) في العديد من البُلدان: من الهند إلى جورجيا والصين، وصولاً إلى روسيا والمغرب وعودةً إلى تركيا.

الصورة
بمحاذاة نهر أوكا في روسيا، 2012 (من المعرض)
بمحاذاة نهر أوكا في روسيا، 2012 (من المعرض)

تجتمع الصور المعروضة في كونها تقدّم، في كلّ مرّة، بورتريهاتٍ ووجوهاً بشرية يريد الفنّان من خلالها تذكيرنا بأنه يمكن لنا أن نقابلها أو أن نعيش الظروف التي تعيشها في كلّ مكان من هذه الأرض: أطفالٌ ويافعون يعملون في الهند بينما هُم دون السنّ القانونية للعمل، وطفلٌ يجلس على قارب بسيط، وحيداً، أمام ميناء مُقفِر من البحّارة، وفتاتان تحتميان في إحدى ساحات بكين، بالصين، من شمس حارقة تُعيدنا إلى سؤال الاحتباس الحراري والتغيُّر المناخي.

بهذا، لا نجد أن جيلان يذهب إلى التصوير الفوتوغرافي ليهرب من عالَم ممزّق ومليء بالأسئلة، كما لو كانت الصورة جنّة للشعرية والنسيان. على العكس، هو يعيد في هذه اللقطات فتح الملفّات المعقّدة ذاتها التي لا يتوقف عن فتحها ونقاشها في أفلامه، مثل المصير الشخصي، وظروف العمل الشاقّة، والعزلة، والميلانخوليا، كما هو حال هذه المرأة الروسية التي تجلس على سياج خشبي محاذٍ لنهر أوكا في روسيا، وتبدو كما لو أنها تحمل في عينيها وتقاسيم وجهها حزن العالم وهمّه.

الصورة
"أولاد الطين"، الهند، 2011 (من المعرض)
"أولاد الطين"، الهند، 2011 (من المعرض)

تُضاف إلى هذه الثيمة مسألة الحيّز المكاني الذي يختاره المخرج والمصوّر التركي، والذي يأتي في الصور شاسعاً على الأغلب، مفتوحاً على احتمالات وآفاق تكاد لا تنتهي، وهو ما نلحظه بتكرار التقاطه صوراً في الغابات، وعلى الموانئ أمام سعة المحيط، أو على ضفة نهر. صورٌ يكاد المشاهد يظنّها قطعةً انتزعها من واحد من أفلامه، التي لطالما ظلّت وفيّة إلى هذه الشساعة وإلى الرغبة في التمحيص بـ"الظرف الإنساني"، بحثاً عن "مكان آخَر".

المساهمون