ندم

30 اغسطس 2024
صبي فلسطيني وسط مدينة غزّة، 27 آب/ أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

نادمٌ على الهجرة. جئتُ القارّة العجوز بآمال شابّة جدّاً. عشتُ فيضاً من تحقيقها في إسبانيا العزيزة، وفي برشلونة الأعزّ. اليوم على تراب بلجيكا أصبحَت الحياة فارغة بشكل متزايد من المحتوى، حتّى عند المثقّفين من هنا.

ما أفقر سيَرهم الذاتية، وما أوهى ما يكتبون! رأسمالية الجوارح والغواشم، تكاد أن تُنهي صورة المثقّف ذي المبدأ والمناقبية ودهشة الإبداع، كما تعوّدنا عليها، واهمين، وهي تأتينا من جانب المحيط الأطلسي. لقد أفقرتهم رفاهية أنّ كُلّ شيء في اليد. صحّرت العقول وحتّى الأفئدة.

قلتُ لأحدهم قبل شهر، إنّه "غلبان"، فصفنَ وقال: أنت تطلب الكمال! أي كمال يا فلان؟

إلى هذه الدرجة أنت أعمى، وتزعم اليسار، حتى تقف موقفاً وسطاً بين المذبوح والجزّار؟ هل تعلم أنّ هنالك أطفالاً من عائلتي وشعبي، لم يجد الناجون لهم أثراً، لأنّهم ذابوا بمقذوفات حرارية، بعد أن طاحت عليهم سقوف الدُّور؟

أليس الوقوف مع الباطل هو قبول واعٍ وطوعي بخطايا وجرائم النظام الذي تُحبّه حباً جمّاً مع بعض الملاحظات والتحفّظات؟ كيف تتصرّف في واقعية العلاقات اليومية بين البشر الملموسين؟

لو كنتَ لا ترى ما يحدث لشعبنا كلّه، أينما كان وحيثما حلّ، لعذرنا عينيك غير المتابعتَين، ولكنّك ترى رغم أنفك، والدليل أنّ لديك جوّالاً. إنّ الوعي الحقيقي لا يشبه على الإطلاق إضفاء المثالية على ما تؤمن به أنت (أو تريده) للآخر (الذي هو نحن وكل الجنوبيّين)، كي يكون أو ينبغي أن يكون، مثلما تشتهي وترغب.

مش عيب عليك أن تكون مثقّفاً ولك كُتب، ومع هذا تكتب مقالات ملأى بالعماء؟


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون