في كتابه "يقظة الأمة العربية" الذي صدر عام 1905، خصّص نجيب عازوري الجزء الأول منه لتفصيل جغرافيا فلسطين وثرواتها الزراعية والمائية التي لم تُستغَلّ بسبب الفساد وسوء الإدارة في نهاية الحكم العثماني، ورأى أن الخطوة لخلق "فلسطين جديدة غنية جداً" يستدعي شقّ الطرق وإقامة مشاريع الري وتشجيع االزراعة والنهوض بالصناعة المحلية.
انشغل الكاتب والسياسي اللبناني (1873 - 1916) بفلسطين في جزء كبير من مقالاته التي كتبها بالفرنسية، وكذلك في كتاب آخر له حمل عنوان "الخطر الصهيوني العالمي"، وهو انشغال كانت له منطلقات قومية بشكل أساسي، حيث اعتقد، وهو من أشدّ المعارضين للدولة العثمانية آنذاك، أن تنامي الصهيونية وحراكها الاستيطاني سيولّد صداماً محتوماً مع العرب في سياق استقلالهم المنتظر، وأن هذ الصدام سيؤول بلا شك إلى انتصار أمة على الأخرى.
رؤية عازوري كانت واضحة في تلك المرحلة الحسّاسة من تاريخ المنطقة العربية قبيل تقاسمها من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية، وهي خلاصة ما عاشه خلال توليه منصب مساعد حاكم القدس بين عامَي 1898 و1904، ما عزّز لديه النقمة على الأستانة، وبدأ التنظير والعمل السياسي من أجل الانفصال عنها أو الحصول على حكم ذاتي للعرب.
تختلط المؤشرات التي يعتمد عليها الكتاب بين معطيات الواقع بما تكشفه عن أطماع حقيقية لدى الصهاينة بحكم معرفة عازوري ببدايات تأسيس المستعمرات اليهودية، وتعليقه بأن العثمانيين لم يكترثوا لخطورة ذلك، بالإضافة إلى اطلاعه على الصحافة الغربية وإدراكه طبيعة تحرّكات اليهود الأوروبيين حينئذ، إلا أنه كان مأسوراً لنظرة دينية يعكسها اعتماده على الرواية التوراتية في تفسير السلوك الصهيوني السياسي.
كذلك إن العديد من الحقائق والأرقام التي يعرضها الكتاب لا تبدو دقيقة، وتنمّ عن ابتعاد عن منهجية علمية في قراءتها، إنما سلّم بها من أجل إثبات صحّة مقولته، ومنها ما يتعلّق بأعداد اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين حتى عام صدور الكتاب، فهم أضعاف أضعاف ما كانوا عليه، وكذلك في مغالاته بتصوير حالة الفساد والانحرافات السياسية لدى الدولة العثمانية، وغيرها.
لكن تظلّ فكرته الأساسية حول مستقبل فلسطين في ضوء الأطماع الصهيونية مهمة، بغضّ النظر عن دوافعها وكيفية تحليله للواقع، بل إن الكتاب يحتوي على الكثير من الآراء الوازنة، خصوصاً تلك التي تتعلّق بمواقف الدول والقوى الكبرى في تلك المرحلة، ومنها تعارض روسيا وبريطانيا وتنافسهما على التركة العثمانية، بإعطائه أفضلية للسياسة البريطانية وقدرتها على تحقيق مصالحها، أو في تقاسم آسيا العربية بين القوى الأوروبية التي رأى أنها ستقع حتماً.
لا يغفل قارئ الكتاب عن انحياز مؤلّفه للحماية الأوروبية، وخصوصاً الفرنسية، في اعتقاده بأن التغيير قادم بلا محالة، وأن العرب قادرون على تكريس استقلالهم في المستقبل، وهو يدعو أيضاً إلى تعريب المذهب الكاثوليكي في المنطقة والخلاص من الوصاية الغربية، إلا أن تشوّش الرؤية في هذا السياق يظلّ واضحاً مهما كانت أسبابه.
ورغم ذلك كله، قدّم عازوري طروحات متماسكة حيال العديد من القضايا، إذ كان مؤمناً بضرورة بناء دولة قومية عربية على أسس عصرية، في مدنيتها ودستورها وآلية حكمها، وامتلك تقديراً كبيراً لأهمية اللغة العربية في تأسيسها، وكذلك العمق الحضاري بوصفه رافعة أساسية لمواجهة الصهيونية، التي اعتقد حينها أنها حركة سياسية معزولة عن الغرب الاستعماري، ذاك الغرب الذي توهّم أيضاً أنه منحاز لعدالة الشعوب وحقها في التحرّر من الاستبداد!