بعنوان معرضه "جُذور السماء"، يجد التشكيلي اللبناني نبيل نحّاس صيغةً لغوية يمكنها تلخيص العوالم التي تقترحها لوحاته المعروضة منذ مطلع هذا الشهر وحتى الثالث عشر من حزيران/ يونيو المقبل في فضاء "شاتو لاكوست" بريف إكس أون بروفنس جنوب فرنسا.
فالمعرض، المقسَّم على فضاءَين، يجمع اثنين من الموضوعات التي تشغل التشكيلي في السنوات الأخيرة: أعمالٌ تصوّر الكواكب والنجوم وكثيراً من العناصر التي تتحرّك فوق رؤوسنا في السماء، وأُخرى تذهب نحو الأرض، أرضِ لبنان تحديداً، وتُصوّر ما فيها من أشجار وأغصان ونبات.
في "بافيّون رينزو بيانو"، يجد الزائر نفسه أمام أربع لوحات بأحجام كبيرة وبتنويعات هندسية وخطّية على عوالم الفضاء والكواكب والنجوم، ننتقل فيها من لوحة شبه حُلمية في دوائرها المتتابعة حدّ تشكيل متاهة، إلى لوحة تبني على صرامة هندسية وتنتهي بنا إلى ما يشبه القطعة الموسيقية التي تُريد إعادة صياغة الصخب الكوني بصخبٍ مشابه من الألوان والموتيفات المتكرّرة.
أمّا في "غاليري شي"، القريب، فندخل جوّاً أكثر ملامسةً لحياة الفنّان ولثقافته: هنا تحضر الأشجار، أشجار الزيتون، والأرز، والنخيل، التي نجد بعضها مقصوفاً، وبعضها الآخر محترقاً، بما يذكّرنا بما عرفته تضاريس لبنان وجباله خلال الأعوام الماضية من حرائق.
لكنّ نحّاس يجد توليفةً يجمع فيها بين الكونيّ والخاصّ، بين العامّ في أقصى أبعاده والحميميّ، فأغصان الأشجار لا ترتقي نحو السماء فحسب، بل هي تُعيد أيضاً، في عددٍ من اللوحات، تلك الموتيفات الهندسية والتراكبات الخطّية واللونية التي نجدها في لوحاته الأُولى.
وكأنّ الفنان اللبناني يريد التأكيد على ما يقوله لنا في عنوان معرضه من أنّ السماويّ يجد جذوره الحقيقية هنا في الأرضي، بل يأخذ صورته منه ويقتبس منه، وهو ما نميل إليه في بعض الأحيان حينما نحسّ بأن بعض الخطوط والحركات الكوكبية تذكّرنا بالحروفيات العربية.