نادية فليح.. مشهد الحرائق في أرض السواد

19 فبراير 2022
(من المعرض)
+ الخط -

في معرضها "قراءات لحواجز" الذي أقامته عام 2011، استخدمت نادية فليح في تكوين أعمالها مواد مهملةً كالأسلاك المعدنية وبقايا الإسمنت والخشب، في محاولة لتقديم صورة عن مدينتها بغداد، التي كانت تحتشد بالحواجز الإسمنتية آنذاك، وتركت أثرها العميق على يوميات المواطن العراقي.

تتأمّل الفنانة العراقية (1967) مأساة بلادها التي عاشت حروباً واضطرابات أمنية خلال العقود الأربعة الماضية، وتلجأ إلى مفردات تؤثث الذاكرة الجمعية للعراقيين؛ مثل شجرة النخيل، لتقارب مشهد الخراب والتدمير، كما فعلت في معرضها "جذوع خاوية" سنة 2014، مستعيرة الجريد والسعف والليف وبقايا التمر في تصويره.

عند الرابعة من مساء غدٍ السبت، يُفتَتح في "دار الأندى" بعمّان معرضها الجديد تحت عنوان "أنا.. نادية فليح" والذي يتواصل حتى التاسع من الشهر المقبل، ويتضمّن أعمالاً تشكّل واقعاً مجازياً لتلك الحرائق التي اندلعت في العراق، ولا يزال رمادها يُذر في العيون.

الصورة
(من المعرض)
(من المعرض)

تميل فليح إلى الألوان الغامقة بشكل أساسي؛ حيث يغلب على لوحاتها الأسود والرمادي اللذين يعبّران في الشكل عن حالة الانهيار والتداعي، ويرمزان في الوقت نفسه إلى مضامين الحزن وطقوس العزاء في أرض السواد؛ في بلاد الرافدين وفي الأرض التي تقف عليها الفنانة.

تنتمي الأعمال المعروضة إلى مفاهيمية تخرج عن المنهاج التقليدي، لتجد الفنانة لنفسها طريقاً خاصاً بها، تحاكي من خلاله الانقلابات الاجتماعية والثقافية والسياسية المعقّدة في بلادها، والتي تنوّع في رصدها من خلال التركيز على فعل الاحتراق وانبعاث الدخان والطلاء الأسود على راحة الكفّ.

الفنانة التي بدأت تجربتها نهاية الثمانينيات بعد تخرّجها من كلية الفنون الجميلة في بغداد، توقظ ذاكرتها في استرجاع أحداث عاشتها كشاهدة عيان في زمن تماهى فيه جسد العراقي ودواخله النفسية مع الكارثة، بحيث أصبح أحد تعبيراته الرئيسة في جثثه ودمائه وإحساسه العميق بالخسارة والفقد.

يقول الناقد العراقي ماجد السامرائي في تقديم تجربة نادية فليح: "نحن أمام عملية خلق فني يتصل فيه الوجود بالمصير لتتشكل اللوحة من عالم هو في حالة تشخيص وتعيّن. فهي تضع أمامنا صورة وجود، وتمنح هذا الوجود بُعده الواقعي، وإن لم يسلك في تعيّنه هذا سبيل 'الواقعية'، ولا اتخذها نهجاً فنياً في التمثّل والتعبير، وإنما نجدها تجمع في لوحتها بين 'الرؤية الكابوسية' واستجابة العالم الداخلي لها، بما يجعل من 'موضوعها' عملية خلق متّصل بما للواقع الذي تتمثّل من حقيقة حيّة، بما للفنانة من خصوصية الرؤية والتعبير.. فما اجتمع لها من رؤية فنية تقوم على معادلة ثنائية: رؤية بصرية لما حدث، ورؤية تشكيلية تُجسد نتائجه".

المساهمون