ميسرة صلاح الدين: زفايغ في مرآة رسائله

19 أكتوبر 2020
من رواية مصوّرة بالفرنسية عن الأيام الأخيرة لـ زفايغ
+ الخط -

مثّل أدب الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ (1881 -1942) شهادة على عصره المتقلّب الذي عايش فيه تاريخ أوروبا الدموي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وصولاً إلى فراره إلى جنوب القارة الأميركية حيث أنهى حياته. لا تضيء رواياته وقصص زفايغ هذه الفترة مثل بقية محطات حياته، وهنا تمثّل رسائله - وإن لم تكن من محض الأدب - شكلاً آخر من أشكال شهادته على العصر. مؤخراً، صدرت هذه الرسائل في نسختها العربية عن منشورات "بيت الياسمين" بترجمة أنجزها الكاتب المصري ميسرة صلاح الدين الذي تحدّث إلى "العربي الجديد" عن هذا العمل.


■ كيف فكّرت في ترجمة رسائل زفايج؟ 
فى مناقشة مع صديقي الناشر زياد إبراهيم طُرح اسم زفايج كمشروع مشترك، وقد رحّب كلانا بالفكرة وكان زياد شديد الحماس ووقع اختياره على الرسائل التي لم تكن قد ترجمت إلى العربية من قبل عكس باقي أعمال زفايج. وقد وافقتُ بدون تردّد لمعرفتي بأهمية ذلك المشروع وبأهمية الرسائل التي تعتبر حالة إنسانية شديدة العذوبة والخصوصية تستعرض فترة الحرب العالمية الثانية بعيون واحد من هم الكتّاب الذين عاصروها وبوجهة نظر جديدة ومختلفة عن الطرح السائد في ذلك العصر.


■ هل توجد فروقات أسلوبية عما عُرف عنه ككاتب قصة ورواية وبينه ككاتب رسائل؟
تختلف رسائل زفايج بشكل جذريّ فى اللغة والأسلوب عن كتاباته النثرية فى القصة والرواية حيث تحتوي الرسائل على عدد من الظواهر اللافتة للنظر مثل ظهور شخصية زوجته بشكل واضح، والحرص على وصف تفاصيل الحياة اليومية بشكل دقيق، وكذلك التكرار الواضح للمعلومات المرسلة أكثر من مرة، وبأكثر من طريقة، عبر عدة رسائل مختلفة، وهو ما يمكن تعليله بخشية فقد محتويات بعض الرسائل بسبب صعوبة عملية الإرسال والاستقبال التي سبّبتها ظروف الحرب، كما تحتوى الرسائل على الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية بشكل ملحوظ رغم إجادة زفايغ التامة للغة الإنكليزية. كذلك انتشرت بين سطورها كلمات ومصطلحات بلغات عدة مثل الألمانية والفرنسية واليديشية، هذا إلى جانب البرتغالية والإسبانية اللتان حاول الزوجان تعلمهما في نهاية حياتهما. وهو الأمر الذي كان من شأنه جعل عملية الترجمة صعبة للغاية، ولكنها كانت ممتعة في الوقت نفسه.

زفايغ


■ في السنوات الأخيرة، ثمة موجة من ترجمات أعمال زفايغ إلى العربية، ما الذي يفسّر ذلك بحسب رأيك؟ 
أعتقد ن سبب تلك الموجه هو إقبال القرّاء على رواياته المترجمة  مثل "عالم الامس" والسير التي يتناول فيها حياة كبار الساسة والكتّاب مثل تولستوي وبلزاك مما شجّع دور النشر والمترجمين على نقل أعماله وإعادة اكتشافها مرة أخرى. وكان لانتحاره الرومانسي والمأساوي في نفس الوقت بين أحضان زوجته لوت دور كبير فى صناعة وهج غامض حول الشخصية وصنع رغبة في اكتشاف دوافعها وأهدافها وقد فسّر كتاب الرسائل الذي قمت بترجمته الكثير من أسباب ودوافع انتحاره وتفاصيل حياته فى السنوات الأخيرة.


■ بشكل عام، كيف تجد حضور هذا الكاتب في ثقافتنا؟ 
عرفتُ زفايج  للمرة الأولى في سن مبكرة من خلال متابعتي لأفلام التليفزيون المصري يالأبيض والأسود وقد كنت أحرص على مشاهدتها. كنت من عشاق موسيقى وألحان فريد الأطرش الذى قدّم للسينما فيلم "رسالة من امراة مجهولة" عن رواية لـ زفايج تحمل نفس العنوان عام 1962 من إخراج صلاح أبو سيف الذي كان أحد أكثر المخرجين قدرة على معالجة الأعمال الروائية العالمية وتمصيرها. ويمكن أن أعتبر أن هذا النوع من التفاعل المبكر مؤشر هام على وجود زفايج وغيره من الكتاب الأوروبيّين في ثقافتنا العربية بشكل أصيل وانصهار أعمالهم فى مخيّلتنا بدون تكلف كرصيد إبداعي إنسانى مشترك صالح لكل مكان وزمان.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون