قبل 2020، لم يكُن فيروس كوفيد-19 قد بدأ في الانتشار بعدُ. لكنَّ القائمين على المشهد الثقافي في الجزائر لم يكونوا في حاجةٍ إلى الجائحة حتّى يؤجّلوا تظاهُرةً ثقافيةً أو يُلغوها بالمَرّة؛ إذْ كانَ دارجاً أنْ يُختَتم مهرجان مسرحيٌّ أو سينمائيٌّ ما ويفترق المشاركون فيه مِن دون أن يعلموا إنْ كانت دورتُه المقبِلة ستُقام في التاريخ نفسه، أو على الأقل إنْ كانت ستُقام في العام المقبِل أساساً.
منذ انطلاقه في 2007، ظلَّ "مهرجانُ وهران للفيلم العربي"، مثلاً، وهو التظاهُرة السينمائية الأبرز في الجزائر، يُنظَّم في تمّوز/ يوليو طيلة ثلاث سنوات، ثمّ تأخّرت دورتُه الرابعة، في 2010، حتى كانون الأوّل/ ديسمبر دون سبب معلَن. ومنذ تلك السنة، لم يعُد يُقام في موعدٍ مُحدَّد، بل راح ينتقل من شهر إلى آخر، بينما أُلغيت دورة 2014 بدعوى إتاحة الوقت لتنظيمه بشكلٍ جيّد). وفي 2018، عاد المهرجان إلى تمّوز/ يوليو، قبل أن يتوقّف لثلاث سنواتٍ متتالية.
كان إلغاءُ دورة 2019 متوقَّعاً بسبب تزامنها مع الحراك الشعبي الذي كانت البلاد تعيشه في تلك السنة، وهو ما ينطبق أيضاً على دورة 2020، وإلى حدّ ما على دورة 2021؛ بالنظر إلى استمرار تفشّي الوباء. لكنَّ اللافت هو أنّ وزارة الثقافة لم تتطرّق، طيلة السنوات الثلاث، إلى المهرجان؛ إذْ لم تُعلِن عن تنظيمه أو تأجيله. يكتفي المتابعون بانتظار موعده، ثمّ يكتشفون أنّه تأجَّل، ويكون عليهم حين إذن أن يُخمّنوا في الأسباب.
لم يكن المشهد الثقافي بحاجة إلى الجائحة لتأجيل تظاهُرةً ثقافيةً أو إلغائها بالمَرّة
ينطبق ذلك، أيضاً، على تظاهُرات ومهرجانات كثيرة تعاملت (وتتعامل) وزارة الثقافة معها وكأنّها غيرُ موجودةٍ أصلاً؛ من بينها "مهرجان عنابة للفيلم المتوسّطي" الذي توقّف عند دورته الثالثة التي أُقيمت عام 2018، و"المهرجان الدولي للفيلم الملتزم" الذي غاب خلال العامَين الماضيين، ثمّ أعلن القائمون عليه، قبل أيام، تأجيل دورته الحادية عشرة التي قالوا إنها كانت مقرَّرةً في كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري، رغم أنّهم لم يُعلنوا سابقاً عن موعدها أو برنامجها.
أمّا "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، وهو الحدث الثقافي الأبرز في البلاد، فلم يكُن حالُه بأفضل من غيره؛ فبعد سلسلةٍ من التصريحات التي كان كلٌّ منها يُحدّد تاريخاً مختلفاً لتنظيمه مجدّداً بعد غيابه في 2019 و2020، التزمت الوزارة الصمت طيلة أشهر، ولم تُصدِر تصريحاً بشأنه حتى أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي؛ الشهر الذي دأبت على تنظيمه خلاله. حينها، أعلنت أنّ دورته الخامسة والعشرين ستُقام في كانون الثاني/ يناير 2022، قبل أن تُعلن مُجدّداً عن تنظيمها في آذار/ مارس من السنة نفسها.
هذا الوضع يجعلنا أمام معضلتَين: تتمثّل الأُولى في تجاهُل وزارة الثقافة للمهرجانات الثقافية التي تُنظّمها، والتي انخفض عددُها إلى قرابة سبعين مهرجاناً ضمن "مراجعة شاملة" قام بها وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي؛ إذ لم تُعلِن، إلّا في حالات قليلة، عن إلغاء مهرجان أو تأجيله بسبب الجائحة، بل كانَ المهتمّون والمتابعون يكتشفون ذلك وحدهم.
أمّا المعضلة الثانية فتتعلّق بالمنطق الذي يجعل الوزارة تُؤجّل مهرجاناً وتُقيم آخر في ظلّ الظروف نفسها. ففي كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري الذي شهد تأجيل "مهرجان الفيلم الملتزم"، جرى تنظيمُ أكثر من أربعين بين مهرجانات مسرحية وسينمائية وعروض وندوات وملتقيات فكرية وأدبية، وهو رقمٌ كبيرٌ جدّاً بالمقارنة مع عدد التظاهرات التي أقيمت في الأشهر الماضية، والتي مرّ بعضها دون تنظيم فعالية ثقافية واحدة. وفي مدينة مستغانم، التي شهدت تأجيل الدورة الثالثة والخمسين من "المهرجان الوطني لمسرح الهواة"، أحد أقدم وأبرز المهرجانات المسرحية في الجزائر، جرى تنظيمُ أربع تظاهُرات ثقافية في الشهر نفسه.
التفسير الوحيد الذي يُمكن تقديمه لهذا الوضع هو أنَّ تنظيم المهرجانات يخضع للأمزجة أكثر ممّا يخضع لسياسة ثقافية تبدو غائبة أساساً. أمّا الجائحة، فليست أكثر من تبرير إضافي لهذا المشهد المربَك من الأساس.