- يعبر عن شكوكه في قدرة الإبداع على مواجهة العدوان لكنه يحمل الأمل في أن يوقظ الإبداع الضمائر ويحرك العواطف تجاه قضية غزة.
- يختتم بالتعبير عن التضامن مع أهل غزة وأهمية الكلمة والإبداع في مقاومة الظلم وتخليد ذكرى النضال من أجل الحرية والعدالة.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
لم يعد هاجساً، أصبح كابوساً، أنهضُ معه وأنامُ معه، وما يقتلني من الداخل أنّنا جميعاً مشاركون فيه بشكلٍ أو بآخر. لم نعد بشراً بضمائر وأحاسيس ومشاعر، لم نعُد نواجه الحقيقة، أصبحنا ندير وجوهنا وضمائرنا إلى وجهات أُخرى حتّى لا نشهد الجريمة.. هنا كابوسي أحمله ليل نهار مع كوابيس عوالمنا العربية، وكأنه صليبي أينما أمضي.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
لم أعُد ألتفتُ للكثير من مظاهر الحياة وأنا أرى الموت الحاضر في كلّ لحظة من لحظات الفلسطيني الغزّي. الصّدق أنّ متعة الحياة بدأت تتضاءل أمام الإبادة المبرمجة بينما لا أجد في يدي ما أفعله غير الصراخ والاحتجاج. الإبداع هنا يحتاج إلى ركلة قويّة كي ينهض بنصّ كبيرٍ مثل المواقف الكبرى لغزّة.
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
أصدقك القول إنني لا أرى أيّ أثر للعمل الإبداعي إزاء ماكينة الصهاينة الخطيرة، وهذا ألمسه في أوروبا، وفي كلّ زاوية، على الرغم من المواقف الإنسانية الكبيرة للمجتمع الأوروبي، قياساً لمواقف الحكومات السياسية. سيكون فعّالاً لو عشنا في عالم مُنصف وصادق، لكن الإنصاف والصدق لم يعودا حاضرَين، ومع فلسطين وما يعيشه أهلنا الغزيّون، كان الأغلبية في وادٍ آخر وعالم مختلِف.
كابوسي أحمله ليل نهار مع كوابيس عوالمنا العربية
■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
لم أعرف مهنة غيرها، ولكنني لو كنتُ هناك مع الغزيّين لكنتُ في خندق آخر بلا شك. الخندق الواقعي بكل شجونه وأدواته الممكنة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
لا أنتظر تغييراً من العالَم، ما أريده هو نظرة صدق وحراك ضمير لا غير، عندها فحسب ستتفتّح الأعين على هول ما نعيش، وعلى مأساة أهلنا في غزّة، أمام الإبادة الوحشيّة التي ابتدأت ولم تنته بعد.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
أودّ لو ألتقي بغسان كنفاني، كاتبي المفضّل، المناضل وصاحب الكلمة الحقيقية المبدعة في الزمن الفلسطيني الطويل، سأكون معه فعلاً، لكنّنا لن نتكلّم، بالتأكيد سيحملني معه حتى هناك، وسنقوم بالكتابة طويلاً وسنعيش مع الغزيّين، وسأخبره أن ما كتبه لم يمحه أحد، وكلّ ما قاله يصير اليوم من أفعال البطولة والتحدّي وخيانة البعض كذلك، وإن الفلسطيني الوحيد بقي وحيداً إلّا من ضمائر إنسانية قليلة تسنده اليوم في محنة الإبادة الشرسة. تُرى هل سنعيد تسطير قصصه ورواياته من جديد، وسنتذكّر حتماً البيت الشعري لأنطونيو ماتشادو في تذكّر مقتل لوركا وهو يكرّر "الجريمة حدثت في غرناطة"، وليس علينا سوى تغيير المكان، لأن الجريمة حدثت وتحدث في غزّة.
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
أناديكم وأشدّ على أياديكم وأقبّل الأرض التي تحت نعالكم وأفديكم.. ليت الكلمة تتحوّل إلى فعل ينتفض وينهض ويثور فعلاً.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
لم يعد من جدوى لكلّ حكوماتكم وسياساتها، الكلمة الآن لكم، إمّا الآن وإلّا فلا شيء سيحصل.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
أقول لدارين كما قلت لطالبة عندي في "جامعة مدريد" من أصول غزّية، وهي لا حول لها ولا قوّة، تراقب موت أهلها ومن بقي منهم في غزّة، رسالتك أن تعيشي وأن تحكي وأن تكتبي لو استطعت حتى لا ينسى الآخرون أنك حاضرة، وأن كلمتك ومحيّاك سيبقيان ولا يُمكن محوهما الذاكرة، ذاكرتنا وذاكرة الناس الطيّبين المناصرين لنا من جهات عديدة.
بطاقة
شاعر وروائي ومترجم عراقي من مواليد بغداد عام 1968، يقيم في مدريد منذ عام 1993. يعمل حالياً أستاذاً للغة والأدب العربي في "جامعة مدريد". له في الرواية: "مذكّرات كلب عراقي" (2012)، و"العودة إلى الأرض" (2015)، و"تقرير عن السرقة" (2020)، و"متنزه الحريم" (2022). صدر له في الشعر: "الكلّ يكتب عن الحبّ إلّا أنت" (2018)، و"توازن هشّ" (2022) . ومن دراساته باللغة الإسبانية: "شعر نساء العراق الشعبي" (2020)، و"المعلّقات العربية دراسة وترجمة" (2022).