شهد النشاط الفنّي في العراق، خلال العام الماضي، حركةً مكثّفة على مستوى المعارض الفنّية، سواء الفردية التي يقيمها الفنّانون في الغاليريهات والمؤسّسات الثقافية، أو الجماعية التي تتبنّى إقامتها "جمعية الفنّانين التشكيليّين العراقيّين"؛ من خلال إشراك أسماء فنّية من مختلف محافظات العراق في معارضها، إذ أقامت أكثر من عشرة معارض جماعية، منها ما خُصّص للأعمال النحتية مثل "معرض النحت العراقي"، ومنها ما عُني بالإنتاج الفنّي النسوي مثل معرض "تشكيليات عراقيات"، ومنها ما اقتصر على الخزف والطين مثل "معرض الخزف العراقي".
ضمن هذه الحركية، أطلقت الجمعية باكورة معارضها للعام الجديد؛ والمتمثّلة في "معرض الرسم المعاصر" الذي تقيمه مطلع كلّ عام، وتجمع فيه تجارب مختلفة لعدد من الفنّانين المختلفين. ويُعدّ المعرض، بحسب المشاركين، أحد أبرز المعارض السنوية في العراق، لكونه يمثّل حلقة وصل بين فنّانيه باختلاف مناطقهم وأعمارهم وتوجّهاتهم الفنية، وأيضاً لتقديمه صورةً عن تطوُّر الحركة التشكيلية خلال العام.
افتُتح المعرض في الحادي والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، ويستمرّ حتى العاشر من شباط/ فبراير الجاري، في مقرّ الجمعية وسط بغداد، بمشاركة ثمانية وخمسين فنّاناً من أجيال مختلفة، حضروا بسبعين عملاً، من بينها ثمانية أعمال فقط أنجزتها فنّانات.
المشاركة النسائية القليلة أحد المآخذ التي تسجّل على المعرض
وتمثّل المشاركةُ النسائية القليلة أحد المآخذ التي تسجّل على المعرض. غير أنّ الحضور النسائي، على قلّته، كان نوعياً؛ من خلال عددٍ من الأعمال الجديدة، مثل لوحةٍ لميساء السراي (1981) مزجت فيها بين الكولاج، كقصاصات الصحف والملصقات الورقية، وبين الألوان التي أبرزت من خلالها الطابع التراثي لبغداد وعمارتها ونسائها، وهو ما تركّز السراي جلّ أعمالها عليه؛ حيث تحضر الأمكنة بشكل عامّ في لوحاتها، إلى جانب تفاصيل الملابس والوجوه ومظاهر الحياة العامّة.
ولم يغب عن المشاركة النسائية حضور الجسد الأنثوي الذي قدّمته سؤدد الرماحي (1978) بشكل تجريدي؛ حيث ركزت في عملها على الجسد كهيئة جسمانية فقط، ولم تُبرز من ملامح شخوصها سوى بعض ما يوحي إلى حركاتها وانحناءاتها، في إشارةً إلى أنّ المرأة لا تُختزل بما يظهر أو يخفى منها من تفاصيل أنثوية.
أمّا نبيل علي (1980)، فتذهب أعماله إلى منطقة أُخرى؛ إذ تقوم بمجملها على الدمج بين كائنات أسطورية وبين الحياة اليومية وتفاصيلها العابرة. في عمله، يُقدّم مزجاً تمثّل في الرجل ذي التاج والجناحَين وهو يعزف على قيثارة صغيرة ويمتطي حيواناً هجيناً يوحي بالطيران، وبين نسوة قادمات تُحيط بهن نيران وأسماك وما يشبه الحطام. استخدم الفنّان في هذه اللوحة العملة العراقية كملصقات ورقية يمكن تبيُّنها على الأسماك وعلى يد العازف وبين يدَي المرأة.
وقدَّم الفنّان سلام جبار (1958) عملاً بعنوان "الجواهري.. البحث عن الأوراق الثبوتية"، وفيه يظهر الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري (1899 - 1997)، بطاقيته وملامحه الوديعة، يبحث بين مجموعة من الكتب والأوراق عن شيء ما، إلى جانبه نظّارته التي ينزاح بجانبها ديوان المتنبّي، تعلوه ملائكة توحي بحضورها الشعري في كلّ لحظات الشاعر. هذه واحدةٌ من اللوحات القليلة التي صوّرت الجواهري بهذه الزاوية المكتملة من حيث جلسته وانشغاله وتفاصيل مكانه.
ومن الأسماء الأُخرى المشاركة في المعرض: أسامة حسن (1957)، وجاسم الفضل (1955)، وإيمان الشوك (1962)، وهدى أسعد (1972)، وفردوس إسماعيل (1973)، وزياد جاسم (1974)، وحيدر فاخر (1980).