في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، أطلقت "مؤسّسة راقودة للفن والتراث" في الإسكندرية مشروعاً لتوثيق عناصر التراث المادّي وغير المادّي في أسواق السمك بالمدينة، وتحديداً سوقَيْ "الميدان" في حيّ المنشية و"حلقة السمك" في حيّ الأنفوشي.
انبثق المشروع بسبب الإعلان عن نقل "حلقة السمك" منذ نحو عامين، دون توضيح رسمي حول مصير المبنى القديم: إنْ كان سيتمّ تطويره أو أنه ستجري إعادة تأهليه، ما دفع إلى إجراء توثيق عاجل للسوق الذي تشّح المعلومات والوثائق حول تاريخ إنشائه كجزء من عمران الإسكندرية وتطوّر المعاملات والأعراف الحاكمة له.
وتُعرَض نتائج هذه المسوحات والبحث التوثيقي في النسخة الخامسة من معرض "إسكندرونا"، الذي يُفتتح عند السادسة من مساء بعد غدٍ الجمعة في "مركز محمود سعيد للمتاحف" بالمدينة، ويتواصل حتى الحادي والثلاثين من الشهر الجاري.
يأتي المعرض ضمن توّجهات "راقودة" في حفظ أوجه الحياة وملامحها البشرية والعمرانية والثقافية والعادات الشعبية لمدينة الإسكندرية، ومنها سوق الميدان الذي يشير المنظّمون إلى تشييده في عهد محمد علي باشا (بين عامَيْ 1805 و1848)، رغم تجاوز عمره المئة عام، فهو ليس مسجّلاً كأثر في السجلات الرسمية.
أمّا سوق الحلقة الذي اكتسب تسميتَه من اصطفاف الصيّادين في هيئة حلقة لبيع صيدهم كلّ يوم، فيعود تأسيسه إلى فترة أقدم بكثير من سوق الميدان، لكنّها فترة غير محدّدة تماماً. وتشمل عملية التوثيق تدوين عادات ومفردات عمليات البيع والشراء، وكذلك الموروثات والمعتقدات المرتبطة بالبحر، بشكل أساسيّ.
يفّرق المشروع بين طبيعة عمل الصيّادين بالشبكة أو بالصنّارة، وتقسيمهم إلى فئات بحسب طبيعة نشاطهم وملكيّتهم لقوارب الصيد، إذ يُطلَق على مالكي القوارب تسمية "المعلّمين"، وهم الذين يحضرون مزادات بيع السمك ويوّجهون البيوع ويشرفون على الصيّادين في مراكبهم، وهناك "تجّار السوق"، وهم المسئولون عن تزويد المعلّمين بالمنصّات ومساحات مخصّصة لبيع أسماكهم، وصولاً إلى الصيادين الذين يعملون بالصيد ولا يملكون القوارب.
استغرق التوثيق الميداني نحو ثلاثة أشهر، وشارك فيه ثمانية باحثين، وسبقتْ هذه المرحلةَ شهورٌ من الإعداد والدراسة، وانتهى البحث بإنجاز فيلم تسجيلي يعرض جميع تفاصيل المشروع ونتائجه العلمية.
يُّذكر أن "مؤسسة راقودة" تأسّست عام 2015، بهدف تطوير التعليم حول التراث وصيانته وإدارته في المجتمع المصري، وسبق أن أقامت أربعة معارض حول مواضيع مختلفة، منها التراث المعماري للإسكندرية وعادات وفنون وحرف المدينة وموانئها.