اختتمت، أمس الأحد، فعاليات الدورة الثانية من "مهرجان مرّاكش للكتاب الأفريقي"، والتي انطلقت الخميس الماضي في "المركز الثقافي نجوم جامع الفنا" بالمدينة الواقعة جنوبي المغرب.
شهدت التظاهرة، التي تُنظمها جمعية "نحن فن أفريقيا"، مشاركة قرابة أربعين كاتباً وشاعراً ومفكّراً وفنّاناً من أفريقيا وخارجها؛ من بينهم: عبد اللطيف اللعبي وخالد اليملاحي وليلى باحساين وسهام بوهلال وياسمين الشامي وعلي بن مخلوف من المغرب، وسعد خياري من الجزائر، وصوفي بيسيس من تونس، وفانتا درامي من موريتانيا، وتحفة محتاري من جزر القمر، وسليمان بشير دياني من السنغال، وخوسيه إدواردو أغوالوسا من أنغولا، وبوم هملي من الكاميرون، ويلفريد نسوندي من جمهورية الكونغو، وميا كوتو من موزمبيق، إضافةً إلى المفكّر وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران.
وتضمّن برنامج الدورة عدداً من الندوات واللقاءات والمقاهي الأدبية، وتوقيعات الكتب، إلى جانب أمسيات أدبية وموسيقية وأنشطة تعليمية. وتناول المشاركون في اللقاءات مسطرةً واسعة من المواضيع؛ مثل الكتابة الأدبية والهوية والثقافة الأفريقيّتَين والهجرة والذاكرة والاستعمار.
سردٌ يقاوم منظومة الجهل والكذب التي تريد فرض نفسها على العالم
أحد تلك اللقاءات ذلك الذي أقيم في أوّل أيام المهرجان تحت عنوان "تنوّعُنا ومشتركُنا"، وتحدّث المشاركون فيه عن ضرورة أن تُشكّل الكتابةُ الأدبية الأفريقية فعلَ مقاوَمة ضدّ الاستعمار الذي أُخضعت له القارّة في الماضي وضدّ بقاياه اليوم، وأيضاً ضدّ اليمين المتطرّف الذي يتنامى حالياً في الغرب.
في هذا السياق، قال الكاتب والشاعر الهاييتي، سانتيلوا رودني، إنّ السرد يُمثّل "نوعاً من المقاومة ضدّ منظومة الجهل والكذب التي تُريد فرض نفسها على العالم"، واعتبَر الكاتبُ والصحافي المغربي المقيم في هولندا، عبد القادر بنعلي، أنّ مِن واجب الكتّاب الأفارقة الدفاع عن هويتهم والافتخار بجذورهم في ظلّ تصاعُد اليمين المتطرّف في البلدان الغربية، بينما تحدّثت الروائية الإيفوارية الفرنسية، فيرونيك تادجو، عن العبء الذي تفرضه الذاكرة الجماعية الأفريقية المثقَلة بإرث الاستعمار وقصص الإبادة على الذاكرة الشخصية التي قالت إنّها تجد صعوبة في التعبير عن نفسها، وتحدّثت الكاتبة الجمايكية المقيمة في النيجر، تيجاني ألو أنطوانيت، عن الكتابة التي تتعرّض للقصص الناتجة عن التاريخ الاستعماري.
وفي اليوم نفسه، أُقيم لقاءٌ بعنوان "الكتابة عن المابَين"؛ تحدّثت فيه كلٌّ من الكاتبة الموريتانية الفرنسية فانتا درامي والقاصّة المغربية الفرنسية ليلى باحساين والكاتبة والشاعرة الكاميرونية بوم هيملي عن هويتهنّ الثقافية الأفريقية وعلاقتهن بالوطن الأمّ وبلد الاستقبال، وإلى أيّ مدىً تُشكّل الكتابةُ وسيلةً فعّالة لتجاوُز الحواجز الجغرافية وإعطاء صوتٍ للأجيال الأُولى من المهاجرين، والتي غالباً ما يجري تجاهلُها في مجال الأدب.
وبحضور مؤلّفيهما، ناقش لقاءٌ بعنوان "الكتابة من أجل الكرامة"، أُقيم الجمعة، روايتَي "استحضار نصب تذكاري في البندقية" للمغربي خالد اليملاحي و"جدار متوسّطي" للهايتي لوي فيليب دالومبير؛ تروي الأُولى قصّة حقيقية لمهاجر غامبي يُدعى باتي سابالي قضى عام 2017 بعد أن ألقى نفسه في قناة مائية بمدينة البندقية الإيطالية، وتستعرض الثانيةُ مسار ثلاث نساء من بلدان مختلفة يجتمعن في ليبيا؛ حيث ينطلقن في رحلة بحرية إلى جزيرة لامبيدوزا في إيطاليا.
وأقيم، في اليوم نفسه، لقاءٌ بعنوان "من الزنوجة إلى الأفريقية"؛ تحدّث فيه كلٌّ من الروائية المغربية الفرنسية ياسمين الشامي والكاتبة والأكاديمية والتشكيلية الإيفوارية فيرونيك تادجو والكاتب والناشر الأنغولي جوزيه إدواردو أغوالوزا عن دور الكاتب في المجتمعات الأفريقية وتأثير الأدب على الوعي الجمعي، وعن الزنوجة والانتماء إلى أفريقيا، وما تعنيه الكتابة باعتبارها مرآة لثقافات المجتمعات وقيمها وقضاياها.
وتحت عنوان "إدغار موران: شاهد على قرنين من الزمن وبوصلة لزمننا الراهن"، أُقيم لقاءٌ بحضور المفكّر وعالم الاجتماع الفرنسي، وتحدّث فيه، إضافةً إلى موران نفسه، كلٌّ من المفكّر السنغالي سليمان بشير ديان، والكاتب علي بنمخلوف، والمندوب العام للمهرجان يونس أجراي؛ حيث استعادوا مواقف موران من القضايا الراهنة، بما في ذلك العلاقات بين الشمال بالجنوب، إلى جانب علاقته الخاصّة بالقارة الأفريقية.
عبء تفرضه الذاكرة الأفريقية المثقَلة بإرث الاستعمار وقصص الإبادة
وضمن فعاليات الدورة الثانية من المهرجان، أُقيم في مركز "نجوم جامع الفنا" معرضٌ للفنّان الفوتوغرافي المغربي مراد فدواش بعنوان "من دوّار الشانطي إلى نيويوروك"، ضمّ مجموعةً من صوره التي التقط فيها مشاهد من حياة سكّان "دوّار الشانطي" في مدينة سيدي يحيى الغرب (25 كيلومتراً عن مدينة القنيطرة)، والذي ينحدر منه. كما أُقيمت، بالتزامن مع المهرجان، الدورةُ الخامسة من "معرض الفنّ الأفريقي المُعاصر 1-54".
يُذكَر أنّ "مهرجان مرّاكش للكتاب الأفريقي" أسّسه كلٌّ من الكاتب والتشكيلي ماحي بينبين والصحافية فاطماتا ساكنا والأكاديمية حنان الصايدي والفاعل الثقافي يونس أجراي، وقد أُقيمت دورتُه الأُولى في مثل هذه الفترة من العام الماضي.
وقال بينبين، في تقديمه للكتيّب الخاص بالمهرجان الذي يترأّسه، إنّ "الكتّاب مؤهَّلون أكثر من غيرهم لتوصيف فوضى العالم الحالي، والمجهول في عالم الغد، والأمل في جعله أفضل"، بينما قال أجراي إنّ التظاهرة تسعى إلى الإسهام في تحقيق التقارب بين مكوّنات القارة الأفريقية ومحاربة الصور النمطية السلبية عنها.