مترو نيويورك.. هنا غزة

06 اغسطس 2014
+ الخط -

أظهرت دراسة أجراها ونشرها مؤخراً "مركز بيو للبحوث" أن الأميركيين يقضون 27 % من أوقاتهم على الطرقات متنقلين، جيئةً وذهاباً، إلى أعمالهم وشؤونهم اليومية. وربّما يمكن لهذه الحقيقة أن تساهم في تفسير ميل المسافرين الأميركيين (والغربيين عموماً) إلى مطالعة الكتب، في ما يعتبر واحدة من أكثر الظواهر شيوعاً ورسوخاً لدى مستقلّي مختلف وسائط النقل، من حافلات وقطارات وطائرات.

هذه الظاهرة، انتبه لها ناشطون أميركيون يناهضون العدوان الإسرائيلي على غزة ويتضامنون مع الحقوق الفلسطينية، فعمدوا إلى استثمارها داخل عربات المترو في مدينة نيويورك، عبر تقديم قراءات وامضة ومكثفة من الأدب الفلسطيني المكتوب باللغتين العربية والإنجليزية، بهدف توعية المسافرين - الذين قد لا يجدون الوقت الكافي للمشاركة في النشاطات والفعاليات العامة - بمجريات الأحداث وتطوراتها، واستقطابهم وتشجيعهم على التظاهر تنديداً بالمجزرة الإسرائيلية المستمرة في غزة.

وبالإضافة إلى القراءات، التي قدمها "مكتبيون ومؤرشفون متضامنون مع فلسطين"، لإلقاء "التحية على الحياة الفلسطينية في مواجهة المجزرة الإسرائيلية"، ولاقت استحساناً وتجاوباً ملفتاً، تم توزيع بروشورات، معدّة بعناية وذكاء، ليعاد توزيعها من قبل المسافرين أنفسهم في محيطهم وبيئاتهم.

وتضم البروشورات مقاطع شعرية (من طه محمد علي ومحمود درويش وأسماء فلسطينية شابة تكتب باللغة الإنجليزية) وروائية (من بينها مقاطع من "عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني)، مصنّفة ضمن خانات زمنية من حيث الوقت اللازم لقراءتها، حيث تترواح المقتطفات بين نصوص تستغرق قراءتها أقل من دقيقة واحدة، إلى نصوص تستغرق قراءتها ثلاث دقائق.

تتوالف المختارات، توازياً وتقاطعاً، وتتجاذب حواملها المتعددة لتجتمع في محرق المصائر والحكايات الفلسطينية، بكل شحناتها التراجيدية والملحمية، حيث الانتصار الكبير للحياة، ولو عبر أفعال الموت، وحيث يبدو الصمود الفلسطيني بتجلّياته المتعددة، وانزياحاته المتنوعة، شكلاً من أشكال الإدانة المترفعة للضمائر المخدرة والأبصار المتعامية عن جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وأبناء غزة خصوصاً.

وتنوُّع النصوص على عدة مستويات، سواء لجهة اللغة الأصلية التي كُتبت بها (العربية والإنجليزية)، أو لجهة الحساسيات الإبداعية لأصحابها نتيجة إقامتهم في مجتمعات متمايزة ثقافياً (شرقية وغربية)، أو لجهة شكلها الإبداعي (شعر وقصة)، أو لجهة تفاوت تواريخ إنتاجها، يخلق بانوراما ميكروية تمتلك كل خصائص الإيصال والتأثير النوعي على جيل من الأميركيين شبّوا على التعامل اليومي مع مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الاقتصاد اللغوي والتعبيري، ما أمكن، هو فضيلة تواصلية ومعرفية في خضم الإنتاج المتواصل للمعلومات.

ويحسب لهذه المبادرة خيارها الثقافي من أجل تكريس شعار سياسي ينتصر لحقوق الشعب الفلسطيني ونضالاته اليومية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، كما يحسب لها تمايزها عن باقي النشاطات والتظاهرات التي يدعو إليها النشطاء العرب والأميركيون في الولايات المتحدة.

المساهمون