في الثامن عشر من الشهر الجاري، مرّت ستّ سنوات على العمل الإرهابي الذي وقع في "متحف باردو" في تونس العاصمة. لا تزال تلك الحادثة حاضرة على أكثر من مستوى، حيث يعود لها كثير من التونسيين من زاوية أنها مسّت سمعة البلاد عالمياً، باعتبار أن معظم الضحايا كانوا من السائحين الذين دخلوا المتحف ليروا تاريخ تونس، وخرجوا منه جثثاً بسبب حاضرها.
لا يفوّت السياسيون كلّ ذكرى من أجل تسجيل مواقفهم وتنديداتهم، كذلك جعل منها المسؤولون مناسبة سنوية لاستعراض بعض المنجزات للمتحف، وفي هذا العام أُعلِنَت إعادة افتتاح "قاعة الكنوز" التي تضمّ مجموعات من الحليّ والتحف والمنحوتات النادرة التي وُجدت في مواقع أثرية قرطاجية ورومانية وبيزنطية، وقد أغلقت القاعة منذ حادثة 2015، وأشرف على إعادة تدشينها كلّ من رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس مجلس نوّاب الشعب (البرلمان) راشد الغنوشي.
هذه النزعة المناسباتية في العودة إلى "متحف باردو" قد تكون مسيئة إليه أكثر من الاعتداء الإرهابي منذ ستّ سنوات. فقد اختُزِل هذا المتحف في حادثة طارئة على تاريخه الطويل. وبدل التركيز على العناصر المتنوّعة التي يقدّمها للزائرين، بات تداول اسمه لا يأتي إلّا ضمن سلسلة الاستعادات السنوية لذكرى الحادثة الإرهابية، ثمّ سرعان ما يعود إلى الظل في باقي أيام العام.
النزعة المناسباتية في العودة إلى المتحف مسيئة إليه أكثر من الإرهاب
لا تبدو الدولة وحدها مسؤولة عن هذا الوضع، أو الذهنية البيروقراطية السائدة في هياكل وزارة الثقافة، فهناك انفضاض شعبيّ أيضاً عن المتحف، ليس "باردو" فحسب، بل جميع متاحف البلاد ومواقعها الأثرية. لقد باتت هذه الأخيرة في التمثّل العام مخصّصة للسائحين، وزادت العملية الإرهابية الطين بلّة حين أصبح المتحف مكاناً يحيل إلى الخوف وعدم الأمان. هل فكّر أحد في تغيير هذه الصورة؟
قلّما تجري الإشارة في السنوات الأخيرة إلى كون "متحف باردو" يضمّ واحدة من أكبر مجموعات لوحات الفسيفساء في العالم، ويضمّ عدداً من أشهر اللوحات المصنوعة من الحجارة، مثل "لوحة فرجيل" و"عوليس وعرائس البحر" و"انتصار الإله نبتون".
ويضمّ المتحف أيضاً لقىً من حضارات متنوّعة، من الفينيقية إلى العصور الإسلامية، فضلاً عن كونه في حدّ ذاته تحفة معمارية ذات طابع يجمع كلّ جماليات المعمار التي لامست تونس بمؤثرات يمتزج فيها الأسلوب العربي بالإيطالي، وقد كان المتحف، من قبل، مقرّ إقامة بايات تونس ومركز الحكم الرئيسي في البلاد زمن الأسرة الحسينية بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وحافظ على مكانته الاعتبارية خلال الاستعمار الفرنسي.
كلّ ذلك بات في الظل، فالحادثة الإرهابية وذكراها ابتلعتا "متحف باردو"، حتى إنّه يبدو اليوم مثل شاهد على ما وقع يوم 18 آذار/ مارس 2015 لا على تاريخ تونس الذي تقول العبارة الرسمية إنّه يمتدّ على "ثلاثة آلاف سنة حضارة".