يستكشف الفنان الأميركي من أصول أفريقية، ماثيو أنغيلو هاريسون، العلاقة بين التصميم الصناعي للآلات وبين الثقافة الأميركية للسود الذين عملوا عليها لعقود طويلة وشكّلت جزءاً من نمط حياتهم اليومي، حيث يصوغ السيّارات وقطع غيارها وأجهزة كهربائية بنماذج ينحتها من الصلصال.
وفي الاتجاه المعاكس، يستحضر شخصيات ورؤوساً وأقنعة تنتمي إلى قبائل الماكوندي التي تسكن شرق القارة السمراء، والدوغون التي تعيش بالقرب من دلتا النيجر، من خلال إعادة إنتاجها باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد منخفضة الدقّة، محلّية الصنع، في محاولة لمحاكاة التراث الأصلي لتلك القبائل، بعيداً عن النماذج التي تستمدّ رموزهم وأساطيرهم وتقدّمها في أسلوب تجاري.
حتى السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل، يتواصل معرضه الجديد، "بروتو"، في "غاليري الفنون" بمدينة بازل السويسرية، حيث افتُتح في الرابع من الشهر الماضي، ويضمّ أعمالاً توضّح التغيّرات الكبرى التي شهدتها بعض المدن الأميركية بعد تراجع الصناعة فيها، وتأثير ذلك على السود القاطنين فيها.
يعود هاريسون إلى قفّازات العمل والسترات والخوذات التي كانت تستعملها والدته خلال عملها في مصنع "جنرال موتورز" للسيارات والذي أغلق في مدينة ديترويت، إلى جانب لافتة رفعها العمّال في إضراب نفّذوه عام 2017، حيث قام بطلاء هذه الأدوات بصمغ الراتنج باعتباره أحد همّ الأصباغ التي تذكّر بالتراث الأفريقي.
يوثّق المعرض جانباً من حياة المدينة اختفى، حيث كان العمّال السود يُحيون الحفلات الموسيقية بعد انتهاء الدوام، وكانت تمثّل البعد الفني والترفيهي الأبرز في ديترويت، والتي تمّ التعبير عنها بوضع خوذ العمل مقلوبةً، وبناء كتلة من الأصباغ تبدو كأنها رأس العامل نفسه، في لغة بصرية ترمز إلى تاريخ من الاستعباد وظروف العمل غير المستقرّة والإضرابات والبطالة في صفوف الأميركيين الأفارقة.
يقدّم هاريسون أيضاً أعمالاً ضمن سلسلتين عرضهما خلال السنوات الأخيرة، وهي تشمل الأدوات والأقنعة التي تستخدمها القبائل الأفريقية في احتفالاتها، حيث يصعب التمييز بين القطع الأصلية أو منحوتاته، التي تشير بشكل غير مباشر إلى النسخ المقلّدة الحديثة التي تصنعها شركات في الولايات المتحدة وتُصَدّر إلى العالم كلّه باعتبارها سلعاً تمثّل التراث الأفريقي.
إحدى أبرز التقنيات التي يستخدمها الفنان هي تغليف الأقنعة والأشكال والرماح بكتَلٍ صمغية، وتثبيتها فوق الأرض أو فوق دعامات من الألمنيوم والفولاذ المقاوم للصدأ، ولكنّه يجعل هذه الأدوات تَظهر محجوبةً في دلالة على فقدان الطاقة التي كانت تسكنها من قَبْل في محاولة للاقتراب من مشاعر وأحاسيس الأفريقي الذي نشأ في الشتات لم يعد يربط بينه وبين بلده الأصلي اتّصالٌ حقيقي، لكنْ ثمّة صِلات خفيّة لا يمكن قطعها.