في عام 1962، عرض محمود حمّاد الذي يمرّ مئة عام على مولده، جداريته المعروفة "فلسطين، من النكبة إلى التحرير" في جناح فلسطين في "معرض دمشق الدولي"، وهي تصوّر الحياة اليومية الغنية والمتعدّدة التي عاشها الفلسطيني قبل تهجيره قسراً على يد العصابات الصهيونية عام 1948.
وينتقل فيها الفنان التشكيلي السوري (1923 ــ 1988) ليتناول مشهدية التشريد والاقتلاع خلال النكبة، ثم يقدّم مفردات ورموزاً تحيل إلى المقاومة التي ستحرّر الأرض، حيث المقاوم يحمل سلاحه إلى جوار كاتب يدوّن كتاباته وعامل يرفع أدواته، وأطفال يسيرون إلى مدرستهم.
الجدارية التي تحتشد فيها الشخصيات والموتيفات التي تكثّف الحالة الفلسطينية، وفق تصوّر صاحبها قبل حوالى ستين عاماً، وقد رسمها في ثلاثة اسكتشات يحوي كل واحد منها جزءاً من عمله الجداري، الذي يضاف إلى جداريات أخرى نفذها خلال الأربعينيات والخمسينيات تحمل مضامين اجتماعية وسياسية وثقافية.
حمّاد الذي سافر إلى إيطاليا في سنّ السادسة عشرة ليدرس الفن، اضطر إلى أن يعود إلى بلاده بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، ليبدأ في أواخر سنة 1939 بعرض مجموعة لوحاته في "معهد الحقوق" بدمشق، حيث التقى في تلك الفترة نصير شورى (1920 – 1992)، أحد أبرز الفنانين المجايلين له تربطهما صداقة وثيقة ويشتركان في تأسيس العديد من المشاريع والهيئات الفنية.
شارك الفنان في تأسيس "الجمعية السورية للفنون" نهاية الأربعينيات، واشتركا أيضاً في جملة معارض أقيمت في مدن سورية عدّة، حتى سنحت الفرصة مرة ثانية لحمّاد عام 1953 للانتقال إلى روما ودراسة فنّ التصوير الزيتي في "أكاديمية الفنون الجميلة" هناك، متخصّصاً في فنّ التصوير الجداري وفنّ الحفر وفنّ الميدالية.
عاد إلى بلاده عام 1957، وعمل مدرساً للتربية الفنية في مدينة درعا بالجنوب السوري، ليواصل تصوير الحياة الاجتماعية التي تعبّر عن روح المدينة والريف. ومع افتتاح "كلية الفنون الجميلة" في عام 1960 في دمشق، عُيِّن حماد مدرساً للتصوير، لتبدأ رحلة تحوّل جديدة لديه نزع فيها نحو التجريد عبر توظيف الحرف العربي في أعماله اللاحقة.
يقسّم الدارسون تجربته إلى أربع مراحل: الأولى بين عامَي 1939 و1953، وفيها يظهر تأثره بالواقعية الانطباعية مع انزياحات محدودة إلى السوريالية في تقديمه بعض المواضيع، والثانية خلال دراسته الأكاديمية عندما يبحث عن أسلوب خاص له، ونفّذ خلالها دراسات فنية عديدة حول الموديلات العارية والبورتريه.
بين نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، اهتمّ حماد بتصوير البيئة الاجتماعية في منطقة حوران وفي رسم عدد من المعالم الأثرية، وظهر خلالها تفاعله مع الأحداث السياسية في عدد من أعماله، مثل جدارية "فلسطين من النكبة والتحرير" وعدد من اللوحات التي أضاءت القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى لوحات "شباط 1958" التي تحتفي بالوحدة بين مصر وسورية، و"الجندي الجريح في ميسلون"، و"النزوح"، وغيرها.
منذ منتصف الستينيات، وحتى رحيله، تطوّر أسلوبه التجريدي عبر بناء معماري حروفي أكثر وضوحاً، وترافق كل هذه المراحل غزارة في الإنتاج في حقول أخرى مثل التصميم الغرافيكي عبر تصميمه العديد من الطوابع البريدية، وفنّ الحفر أيضاً.