"ليس هناك دببة" لجعفر بناهي: عن القيود التي يفرضها الطغيان على الفنّ

10 يونيو 2023
جعفر بناهي في مشهد من الفيلم
+ الخط -

لا شك أنَّ أيّ مُخرجٍ آخر في مكان وظرف المُخرج الإيراني جعفر بناهي (1960)، الذي منعه النظام الإيراني من ممارسة عمله في البلاد، ثم اعتقله ليمضي أعواماً في السجن، كان سيتبنّى موقف الضحية، وستقتصر أعماله السينمائية على التنديد بالقمع السياسي في إيران.

لكنَّ بناهي قرّر أن يتبنّى سلوكاً آخر، وأن يسأل نفسه عن معنى المسؤولية الإبداعية والأخلاقية لصانع الأفلام. وجوابُه كان، دون أدنى شك، الاستمرار في صناعة الأفلام التي من شأنها أن تُعرّي الأنظمة التي تُحارب الإبداع وتطارد من يقف في وجهها ويعارضها.

عرفَ بناهي كيف يصنع سينماه السياسية في أماكن مغلقة. وها هو الآن، في فيلمه "ليس هناك دببة" (2022)، الذي بدأت عروضه نهاية الأسبوع الماضي في قاعات السينما بمدريد، يبني متاهةً معقَّدة من المرايا معه، باعتباره بطل الرواية، وهذا ما يعكس بالضبط ما تعنيه المسافات، أو بعبارة أُخرى، معنى أن يكون المرء مُخلصاً للواقع القاسي لأولئك الذين يريدون الهرب من إيران.

سؤالٌ عن معنى الإخلاص لأولئك الذين يريدون الهرب من إيران

ومثل العادة، حبكة فيلم بناهي، كبقية أفلامه الأُخرى معقَّدة، حيث تبدأ قصّته في شارع ببلدة تركية على الحدود مع إيران، يعجُّ بالحياة والحركة. هناك ستلتقي زهرة مع بختيار، حيث تطلعه، في سرية وتكتّم، على تسلّمها جواز سفرها الفرنسي، الذي اشترته من مهربِّين، وأنّه سُرق من سائحة فرنسية في تركيا.

سيبقى جواز السفر ساريَ المفعول لعدّة أيام فقط قبل أن يجري إلغاؤه، حيث ستبلّغ السائحةُ الفرنسية عن فقدانه. وبطبيعة الحال، سيمنَح جواز السفر زهرة فرصةَ مغادرة البلاد، لكنّها لن تفعل ذلك، وسترفض المغادرة من دون بختيار، الذي لم يحصل على جواز سفر بعد. وسط هذا الحدث، فجأةً، سيسمع المشاهد، بدهشةٍ، صوتَ مُخرجٍ يعطي تعليمات لزهرة وبختيار، لكنّنا لا نراه.

هكذا سيتّضح لنا أنَّ ما نراه هو مشهد من فيلم لبناهي نفسه، الممنوع من العمل والسفر، حيث يقوم بتوجيه الممثّلين، الذين يمثّلون قصّتهم الحقيقية، وربما قصّته هو نفسه، وقصّة العديد من الإيرانيّين، عبر الإنترنت، بمعاونة أحد مساعديه.

على مدى ساعة وست دقائق سيتقاطع الروائي والوثائقي والخيال والواقع في فيلم بناهي، وسيغرق المشاهد في لعبة المرايا التي يبرع فيها المخرج الإيراني. إنّه فيلم عن القيود على الفن والخيال والإبداع، فيلم عمّن يحاول أن يفكّر، أن يواجِه ويعارض الطغيان.

لا شكّ أنّ جعفر بناهي ينتمي إلى سلسلة من أبرز المخرجين الإيرانيّين الذين عَرفوا، بشعرية خالصة ومعقَّدة إلى حدٍّ ما، كيف يجدون وصفة سحرية لأفلامهم حتى يتمكّنوا من إخفاء مواقفهم وآرائهم السياسية. وبهذا الشكل، تمكّن بناهي مع غيره من المخرجين من خلق ما عرف باسم "موجة السينما الإيرانية الجديدة"، والتي صار لها حضورها العالمي على خريطة السينما، لدرجة أنّها أصبحت ضيفة دائمة على جميع المهرجانات السينمائية العالمية.

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية
 
المساهمون