1
من أجلِ ماذا عليَّ أن أعبرَ ليلًا ملغومًا بالكوابيس
ونهارًا يأخذ مقاس رقبتي كي يضفر الحبال
ويرفعني معصوبًا إلى المشنقة
من أجلِ ماذا عليَّ أن أكون القتيل الذي يضحكُ فيما توذِّره الحرب
ويشتري القصور في جنانٍ يَسمعُ بها فقط
ووصولها تذكرة بالدَّم المسفوح.
لصوصٌ سرقوا عمري وقالوا:
لكَ الأنهار تسعى خلفكَ كلّما خَطوت
والأشجار موكبُكَ البهيِّ
لكَ الحسناواتُ فاكهةُ النَّعيم
والخدمُ يجيئونكَ بالذي تشتهيه قبل أن تشتهيه
لكَ السّفوحُ مطمئنًا تنامُ عليها
ولا الذي يجيءُ من أمسٍ ويغرزَ نصاله فيك، ولا الذي من غدٍ يهبطُ عليكَ مُدجَّجًا بالخوف والرَّهبة
لكَ كلَّ ما قلناه وما لم نقله
ولكن عليكَ أن تموت أولًا،
مقتولًا يحملُ خبركَ فزعُ الرِّفاق... منهوبًا بالسيوف، غاصًّا بالرّصاص، تُشرِّدُ أشلاءكَ الخيول مذعورةً، ودمُكَ بكلِّ ساقيةٍ يجري.
مسروقٌ من لحظةٍ قالوا كثيرة عليه
لحظةُ الهانئ في عياله
السّاقي أصيصًا عند عتبة بيته
الضاحكِ في منامه ويقظته.
إنَّني أُساقُ إلى حتفي من قِبَل لصوصٍ تلمع في جيوبهم حياتي.
2
أصلُ إلى مدنٍ مثكولةٍ بالقَتلى فأجدنُي قتيلاً يندبونه
إلى مدنٍ مخمورةٍ بالرَّزايا فأجدني مصلوبًا على حاناتها وأهذي.
هُم نقشوا صورتي على قلائدِ نكبتهم
ووشموا اسمي هناك
على ذراعِ كلِّ ذبيحٍ جرى في العراء حزنه
وامتزجَ بأغنيةٍ قتيلة.
3
مشغولٌ بالبلاءِ مطرَّزةً به ثيابي
بالعذاب أحمِله في متاعي ثقيلًا وأمشي
مشغولًا بالمنايا
أعبرها ميِّتًا على كلِّ حال.
4
مطعونٌ وفي كلِّ طعنةٍ شمرٌ يضحك
مُوجعٌ وفي كلِّ آهٍ حوافر خيلٍ تُغنّي
أغرقُ في حضرةِ جنودٍ شامتين
وأعود لأنجو أسيرًا يُصلبُ على كلِّ نخلةٍ
وعلى رأسه إكليلٌ من رزايا كربلاء.
5
حياةٌ أردتُ أن أعيشها
ولكنَّهم فقأوا عينيَّ ووضعوا مكانها عَينَي صنمٍ
للآن يُعذَّب طينُه في أفرانِ الفُخار
صوتاً أردته احتجاجًا وأغنيةً ودعاءً أرفعه منقوعًا بحشرجةٍ ولهاث
لكنَّهم حشَّدوا أكفَّهم على فمي خوفًا عليه من الخطايا
فيما تركوا على خدّي صفعاتهم كختمٍ على التّوبة.
يداً تصلح لأن ألوِّح بها لغريبٍ يتعثَّرُ في متاهةٍ،
قيَّدوها وصبّوا عليها شمعَ سخطهم في الليل.
قدماً كان يمكن أن أعبرهم بها هاربًا من شرائعَ يبتكرونها وأحكامٍ تُقرأُ على رأسي فقط
عقدوا بها صخرةً
وحكموا على وجودي
بالـ
غ
ر
ق.
6
قاتلٌ تُلاحقه الثّارات مكتوبة على راياتٍ ترفرف في الآفاق
أمِ الضحيِّة تنشدُ ذنبها في ضحكةِ السَّفاح
مَن أنا؟
الندُّبةُ التي تكبرُ على ظهر الأسير العابرِ من زنزانةٍ إلى أخرى في رأس الطاغية
أم الطّاغية ودمه البارد
يجري مسمومًا في عروق المنهوبةِ أرضُهم
هل الذي تئنُّ حجارةُ بيتهِ في جيوبهِ
ويشهقُ بصورهِ أنيقًا كلّما خطا بعيدًا عن الحوش؟
من بين هؤلاء أعرفني
أعرفني كلَّما ضحكَ الغزاةُ
وهم يُفتِّشون بعظامي عن الأرض
أنا الضاحك الباكي
والخرابُ الحيّ.
7
غبارٌ أكتبُ عليه تاريخَكِ فيمحوه الغُبار
وحجارةٌ هو اسمكِ في حنجرتي تطحنه الرّحى وأتهجّاه مُفتَّتًا
غبارٌ على صورتكِ تتدلّى من النَّحر حتى النَّحر
وغياهبُ تنعقدُ بها خطوتي كلَّما اتَّسعتْ فيكِ
غبارٌ على طفولتي في الحوش
نارٌ على صِباي في الشَّوارعِ
دمٌ على شبابي يقسمُ به القتلى.
8
موءودةً أواريكِ
وصوتي على كلِّ حالٍ تسمعينه
ناقوسٌ في رقبتكِ التي تتدلّى من المشنقة.
9
عالمٌ يتهاوى تحت جفنيه
ومعذَّبون ينبتُ نحيبهم في ملامحه.
10
أثرُ الفريسة وهي هاربة في نشوةِ الصيّاد
مختومةً بهِ تذاكِرُكَ
ومطبوعًا على رحيلكَ في الضَّحايا.
صورتكَ في عينها
تلمعُ بينما تحتضنها النِّصال في الكمين.
أنينها يمزِّق حبالَ أنينكَ
عجزكُ يسري في أغانيها
أأنت تركضُ في الفريسةِ
أم الفريسةُ تركضُ فيك؟
* شاعر وتشكيلي من العراق