البنت فيديريكا ريفاس غونزاليس، مزنوقة والله. كلّما استدانت مبلغاً من العملة المعدنية، جاء الدائنون قليلو الصبر وطرقوا بابها، ثم سألوني، بوصفي جار غرفتها الملاصق، وأباها المتبنّى: أين راحت؟
وأنا بدوري، أفهم وأقترح عليهم جدولة ديونها بالراحة، وحبّة حبّة. فهي ليست دولة الأرجنتين، وهم ليسوا البنك الدولي.
وعلى الجانب الآخر من العملة، لم تتمكّن البنت الغلبانة، ولن تتمكّن من الخلاص، إلّا بالميل لأقدم وسواس في التاريخ. الأمر الذي إذا لم يحدث غداً، فسيحدث بعد غد. خاصّةً عندما تتلقّى الرفض الثاني، كما هو متوقّع، من وزارة الهجرة، فتحتاج إلى مال كي تسافر إلى إسبانيا، مثل غالب اللاجئين من قارّتها السمراء.
والله قلبي يقرصني على فيديريكا: هل هي حِمْل كلّ هذه البهدلة في مجاري أوروبا البيضاء؟ مش لو فضلت في هندوراس، تعيش على كفاف الذرة، أحسن لها، ولي، أنا الأب الذي تبنّتْني بالعشم؟ أليس هذا استنزاف مستمرّ للمواهب التي تبحث عن فرص في الخارج؟
هناك شيء أساسي، وهو عدم الاتّساق في سياسات الاقتصاد الكلّي في بلاد الهندوراس. هيكل الإنتاج غير متوازن للغاية، ويتطلّب مصادر تمويل خارجية. كلّ شيء يعتمد على العملات الأجنبية الواردة من الخارج. في كلّ مرة يحدث انكماش في التجارة العالمية، أو يكون هناك انخفاض في حجم الاستثمار الأجنبي، تنشأ مشكلة من حيث الاحتياطيات. مشكلة لا توجد طريقة لحلّها إلّا ببيع الهوى.
تمضي سنوات من النموّ، ثم يتفكّك كلّ شيء ويعود إلى المربّع الأوّل، مرّة أخرى. ماذا تفعل البنت فيديريكا والأيزو الهندوراسي عيّان؟ هل عليها أن تختفي قبل أن تُصبح غير مرئية؟ ولكنّها بشر، وهذه مشكلة البشر الأحياء المزمنة والمتوطّنة: كلّهم مرئيون.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا