ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثاً كتاب "من مرحلة ما بعد الديمقراطية إلى مرحلة الديمقراطية الجديدة" لأستاذ العلوم السياسية والباحث الألماني كلاوس فون بايمه، وترجمة سيد فارس.
يقارب الكتاب أزمات النظام الديمقراطي، ومعالم التحول إلى سياسات ما بعد الديمقراطية، ويعرض طروحات إصلاح الديمقراطية الليبرالية، كتعديل القانون الانتخابي، وانتخاب الشعب قادته التنفيذيين، وتحديد مدة شغل المنصب بالنسبة إلى نواب البرلمان والوزراء، وإلغاء النظام الحزبي في الجماعات الحزبية البرلمانية، ومكافحة الفساد، وغير ذلك كثير، وهو ربما يساهم في إقالة عثرات النظام الديمقراطي خصوصاً في الدول الضعيفة.
يساعد مصطلح "ما بعد الديمقراطية" على وصف مواقف الإحباط وخيبة الأمل التي أعقبت اللحظة الديمقراطية وواقعها المعاصر المأزوم، فقد صارت الشركات الكبرى في الدول القومية ذات قدرة تفوق كثيراً قدرة الحكم، وانحسرت الهويات الاجتماعية الخاصة بالطبقة والدين التي شكّلت هويات الحزب الرئيسة في ديمقراطيات القرن العشرين، ما نقلنا إلى تحدي فكرة الحكم على الإطلاق: انهيار احترام الحكومة، والنظرة إلى السياسيين على أنهم يشبهون التجار الذين يسعون لتلبية ما يريده "عملاؤهم" على نحو يحقق لهم البقاء والاستمرار في تجارتهم، وفق الكتاب.
يقارب هذا الكتاب أزمات النظام الديمقراطي، وطروحات إصلاح الديمقراطية الليبرالية
ويبين كيف تنحو "ما بعد الديمقراطية" منحى الحركات الشعبوية (غير المنضوية في الأحزاب القائمة)، وهو الشك والارتياب في السياسة، وهما يتموضعان معاً في مواجهة الديمقراطية، ما سبّب في الفترة 2008-2018 "الصعود العالمي للشعبوية" التي تطلب في معظمها ثقة الشعب المطلقة بالقائد وتميل إلى اعتبار ذاتها التجلي المتكامل والنهائي للديمقراطية، على نحوٍ يحوّلها إلى عدو واضح للديمقراطية.
يتناول الفصل الأول من الكتاب الجدل الدائر حول ما بعد الديمقراطية في الدوائر الأكاديمية الغربية انطلاقاً من اللبس بين مفهومين للديمقراطية هما "دستور النظام السياسي" و"ممارسة الإدارة"، مع الإشارة إلى النزعة التشاؤمية التي تسم أنصار "ما بعد الديمقراطية"، والاختلافات الشائعة بينهم لترويجها، وكيف استمرت النظم الديمقراطية الجديدة، رغم هفوات كثيرة وقعت، باستعمال مصطلح "ما بعد الديمقراطية".
ويقارب الفصل الثاني نقد السياسة في وسائل الإعلام القديمة التي اعتُبرت مقياساً للديمقراطية، لكنها بدأت مع العولمة تعاوناً وثيقاً مع الشركات الاقتصادية الكبرى بهدف الربحية، التي تحولت بديلاً من سلطة الصحافة الرابعة، وهي الإضاءة على المشكلات المجتمعية ومرتكبيها، وكيف نشأت فكرة "المواطنة الغاضبة الساخطة" بوصفها ثقافة احتجاج جديدة في الميديا الحديثة.
ويتطرق الفصل الثالث إلى الحديث عن الشعبوية وأفكارها وتعريفات المفكرين لها، والفشل في تحديد مفهوم خاص بها، ويذكر قيامها على أكتاف نخبة مميزة قوّضت المشروع المساواتي الذي دعا إليه اليسار القديم، وشكلت تياراً طبع ملامح "ما بعد الديمقراطية"، مستعرضاً الحركات والأحزاب الشعبوية، والتباين بين ممارساتها وممارسات الأحزاب الديمقراطية، ذاكراً مساهماتها وإخفاقاتها، والأواصر التي تربط بين الشعبوية وسياسات ما بعد الديمقراطية.
أما الفصل الرابع، فقد تناول أطروحات إصلاح النظام الديمقراطي، كالإصلاح المالي والفدرالي والبرلماني والحزبي والمؤسسي والقانوني والضريبي والانتخابي والقضائي والفدرالي والتعليمي، والمقترحات التي قدمت لإصلاحه والتعامل مع انتقادات كتّاب ومفكرين معروفين.
ويناقش الفصل الخامس معالم التحول من سياسات ما بعد الديمقراطية إلى الديمقراطية الجديدة، ويسلّط أضواءً كاشفة على بعض النظريات المسلّطة على إصلاح الديمقراطيات، كنظريات العدالة الكلاسيكية، ونظرية "العدالة المثالية"، والنظريات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والنفعية، ونظريات العقد، والنظريات الكاثوليكية، والنظرية المضادة للعدالة التوزيعية، والنظرية المعيارية في السياسة، ونظرية الدولة والسيادة، ونظرية الاختيار العقلاني، ونظرية الألعاب، ونظرية "المجتمع المدني"، ونظرية "الديمقراطية التداولية"، ونظرية "المثالية الجديدة"، وغيرها.
يُذكر أن كلاوس فون بايمه، أستاذ فخري للعلوم السياسية في كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بـ"جامعة هايدلبرغ". درّس العلوم السياسية والتاريخ وتاريخ الفن وعلم الاجتماع في جامعات هايدلبرغ وبون وميونخ وباريس وموسكو (1956-1961)، وهو عضو "الأكاديمية الأوروبية" و"أكاديمية برلين براندنبورغ للعلوم".