في كتابه "سياسة الدفاع الأوروبي"/ الذي صدر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يناقش الباحث والأكاديمي المغربي كريم مصلوح، المقاربات التي جرى اللجوء إليها لفهم هذه السياسة وتفسيرها من خلال إبراز أهمّ عناصرها، وبيان هشاشة الحدود المنهجية والمعرفية التي تفصل بينها.
كما يتناول المؤلّف علاقة أوروبا بحلف شمال الأطلسي، ويقف على حدود الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي من خلال استمرار تلك العلاقة، ويسلّط الضوء على دور دينامية مسلسل الدفاع الأوروبي البطيئة والمترددة في تأجيل حسم الهوية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي.
يُظهر الكتاب أن قدرة الاتحاد الأوروبي على تشكيل فهم جديد للسياسة الدولية تبقى محدودة، فهو يصوغ فهمه لها من خلال بنيات غير متجانسة مكوّنة له، ومن ثقافة العمل البيروقراطي المتعدّد الأطراف في حلف شمال الأطلسي، ومن خلال بنيات دولية قائمة ومتغيرة.
يُظهر الكتاب أن قدرة الاتحاد الأوروبي على تشكيل فهم جديد للسياسة الدولية تبقى محدودة
ويوضّح بأن الدفاع الأوروبي تبلوَر ــ من الناحية السياسية ــ من مركّب ثلاثي العلاقة: علاقة فرنسية - أوروبية، وعلاقة فرنسية - أطلسية، وعلاقة أوروبية - أطلسية، من ثمّ فإنّ سياسة الدفاع الأوروبي تشكلت في إطار البيئتين الأوروبية والأطلسية. ومن الناحية الثقافية، تقتسم أوروبا والولايات المتحدة الأميركية الكثير من المشتركات، لكن لا تخلو من كثير من التباينات في التفاصيل. ولعلّ تعريف أوروبا شخصيّتها قد يعرف تباينًا، مقارنةً بتعريف الولايات المتحدة شخصيّتها.
ولا يُمكن فهم مسار الدفاع الأوروبي، بحسب الكتاب، من دون فهم علاقة المركّب الثلاثي المذكور، كما أنّ التحوّلات التي يشهدها الاتحاد الأوروبي لا يُمكن فصلها عن التحوّلات التي تشهدها البيئة الأوروبية والروابط الأوروبية – الأميركية، وهي تشمل الجوانب الأمنية والعسكرية مثلما تشمل المفاهيم الثقافية لتعريف شخصية كلّ واحد منهما ودوره.
ويلفت مصلوح إلى أن إقرار مؤسسات الاتحاد الأوروبي بناء قوّة دفاع أوروبية هو طموحٌ أكثر من أن يكون التزامًا بخيارات محدَّدة مسبقًا. فلا يُمكن هذا الجانب أن يمضي من دون أن يتقدّم الاتحاد الأوروبي على الصُعد جميعها، ومنها الحدّ من نزعة السيادة الوطنية. والمسألة الأخرى أنه لا يُمكن أوروبا الدفاع أن تمضي من دون أن يؤثّر ذلك في طبيعة علاقاتها ودورها في حلف شمال الأطلسي. ولأنّ كلا الخيارَين ليسا مُقدَّرَين في الآجال المتوسّطة، فإنّ "أوروبا الدفاع" ستظل مُقيَّدة ومتردّدة؛ إذ إنّ استمرار الاتحاد الأوروبي بمستويات دنيا من الوحدة يؤجّل الحسم فيها، كما أنّ حفاظها على العلاقة التقليدية بحلف الناتو يرجّح كفّة استمرار أوروبا تابعةً استراتيجيًّا للولايات المتحدة.
وينبّه إلى أنه اتّضح كيف يتعايش خطاب السيادة والقومية الفرنسية جنبًا إلى جنب مع نزعة الدفاع الأوروبي، ونزعة الحفاظ على القرار الاستراتيجي الفرنسي، ولو داخل الناتو، الذي تولّت فيه فرنسا العضوية الكاملة مع بقائها خارج اللجنة النووية. في هذه النقاط المتداخلة تتعايش تناقضات أغلب الدول الأوروبية. وهي تعكس أيضًا تناقضات أوروبا والولايات المتحدة، وعبرهما تناقضات العلاقة عبر الأطلسية.
يُذكر أن كريم مصلوح حاصل على درجة دكتوراه من كلّية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في أكادير. صدر له كتاب "الأمن في منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا" (2014)، و"التعاون والتنافس في المتوسّط" (2013). وله دراسات في شؤون دولية وإقليمية منشورة في مجلات ودوريات عربية.