كريستوف شارل: باريسُ القرن 19 بصيغة الجمع

05 نوفمبر 2021
مشهد عام لوسط باريس، 1860 تقريباً (Getty)
+ الخط -

ضمن المؤلّفات التاريخية التي تُنشَر في فرنسا حول القرن التاسع عشر، تستأثر باريس بموقعٍ أساسي، حيث تكاد تختصر، كعاصمة سياسية وثقافية، بلداً كاملاً، بل إنها غالباً ما تقترح نفسها كعاصمة لهذا القرن نفسه، حتى خارج حدود فرنسا، وهو ما يشير إليه العديد من الأعمال ذات البُعد التاريخي، مثل كتاب الناقد والمفكّر الألماني فالتر بنيامين "باريس، عاصمة القرن التاسع عشر: كتاب المعابر".

تتنوّع هذه الأعمال بين تلك التي تسعى إلى تقديم نظرةٍ شاملة على أحوال العاصمة في تلك الفترة، وبين مؤلّفاتٍ يلجأ كتّابها إلى ما يُعرَف بالتاريخ الصغير، حيث يلتقطون تفصيلاً ويسعون من خلاله إلى تقديم نقطة لرؤية أوسع وأشمل، وهو ما فعله بنيامين في كتابه المذكور، حيث يسعى إلى البرهنة على أنه يمكن العثور على "كلّ القرن التاسع عشر" في التفاصيل المعمارية التي عُرفت بها معابر العاصمة الفرنسية.

ينتمي كتاب المؤرّخ الفرنسي كريستوف شارل، "باريس، عواصم القرن التاسع عشر"، الصادر حديثاً لدى منشورات "سوي" الفرنسية، إلى النوع الأوّل من هذه الأعمال، حيث يقدّم أستاذ التاريخ في جامعة "باريس الأولى بانتيون ـ سوربون" نظرةً على أحوال المدينة منذ بداية وحتى نهايته، على مستويات السياسة والثقافة والمجتمع والعمارة.

الصورة
غلاف

يتألّف الكتاب من ثلاثة أجزاء تضمّ 15 فصلاً، ويركّز كلّ واحد من هذه الأجزاء على مرحلة من القرن 19، وعلى انشغالٍ خاصّ عُرفت به تلك المرحلة، بحيث يتناول الجزء الأوّل مسألة الاختلافات حول الرؤية السياسية والثقافية والاجتماعية، والتي كانت باريس مسرحها، بدءاً من سقوط نابليون (1815)، وحتى منتصف القرن، وهي اختلافاتٌ تتمثّل بشكل أساسي، كما يقول شارل، بين توجّه ثوري ورغبة في استعادة النظام الملكي القديم.

يُخصّص الباحث الجزء الثاني من عمله للمسألة العمرانية، ومن ورائها مسائل المجتمع والصراع الطبقي وعلاقات الهيمنة، حيث شهدت المدينة، بدءاً من عام 1851، حركةً عمرانية وتفكيراً بالشكل الذي يمكن أن تتّخذه أحياؤها وشوارعها وواجهات مبانيها، كما بدأت بالتوسّع لتضمّ ما كان يشكّل، في السابق، مدناً وضواحيَ محاذية لها. كما يتوقّف في الفصول الأخيرة من هذا الجزء لدى صعود "المعارضة الفرنسية"، وتحوّل باريس إلى مركز للكومونة بدءاً من 1870.

أمّا الجزء الثالث والأخير، فيدرس فيه كريستوف شارل مشاريع "إعادة البناء" التي عرفتها باريس، ليس معمارياً فحسب، بل على المستوى السياسي، والثقافي، والتعليمي، والسياسي، كما يُلاحظ تحوّل المدينة، في هذا القسم الأخير من القرن التاسع عشر، إلى عاصمة إعلامية وإلى مسرح للفنانين والحركات الطليعية، يقدّم لهم الحرّية أكثر مما قد يعرفونه في بلادهم، ويستشهد على هذا بسيَر بعض الكتّاب والفنانين، مثل أوسكار وايلد الذي هجر بريطانيا نحو "مدينة فنانة"، أكثر تقبُّلاً لإبداعه.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون