"البرهان في الفلسفة" لمحمد بديع الكسم: طبعة جديدة

23 يوليو 2024
كان الكتاب ذائع الصيت لدى الجامعيين العرب في فترة سابقة
+ الخط -

ضمن سلسلة "طي الذاكرة" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت طبعة ثانية (النسخة العربية) من كتاب "البرهان في الفلسفة" للفيلسوف السوري محمد بديع الكسم (1924-2000)، بترجمة الباحث والسياسي جورج صدقني.

صدر الكتاب، أوّل مرة، باللغة الفرنسية (رسالة دكتوراه للمؤلف الكسم)، وكان عنوانه "فكرة البرهان في الميتافيزيقا" عام 1959، عن "دار المطابع الجامعية" في باريس. وفي عام 1991، نشرته باللغة العربية وزارة الثقافة السورية بترجمة صدقني، الذي صدَّر الكتاب بمقدمة غنيّة عن الكسم ومقالاته ومحاضراته، حيث يعيد "المركز العربي" اليوم طباعة الكتاب القيّم في ظل ندرة نسخه وصعوبة إتاحته للعامة.

ولكتاب البرهان في الفلسفة باللغة بالفرنسية أكثر من طبعة نُشرت في سويسرا وفرنسا، وكان ذائع الصيت لدى الجامعيين العرب، وخصوصًا منهم طلاب الكسم نفسه (كان يدرّس الفلسفة الغربية، والمنطق الرياضي، والمنطق الجدلي عند هيغل، وغير ذلك)؛ ما جعلهم ينتظرون ترجمته بشغف، وهو شغف لم يقتصر على الطلّاب، بل شمل حتى الأساتذة.

صدر الكتاب، أوّل مرة، بالفرنسية (رسالة دكتوراه للمؤلف) بعنوان ’فكرة البرهان في الميتافيزيقا‘ عام 1959

ويُرجِع المعارض السوري المقيم في السويد عبد الباسط سيدا، وهو من مؤسسي "المجلس الوطني السوري"، ورئيسه في الفترة 9 يونيو/حزيران - 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وقد كان أحد تلامذة الكسم في "جامعة دمشق"، كتابَ البرهان إلى مذكرة في مادة الفلسفة الغربية كان الكسم يدرّسها في ستينيات القرن العشرين، عنوانها "الحقيقة الفلسفية". وكانت هذه المذكرة تشرح مفاهيم التوكيد والحكم (كل حكم هو صادق من مُصدِرِه)، والحقيقة وصاحبها والقضية (الحقيقة متضمنة في حكم صاحبها، والتعبير عن الحكم هو القضية)... إلخ. ويقول سيدا إن الكسم كان يحتج على الأحكام المسبقة والمواقف الأيديولوجية فيها، لأنها لا تتسق مع المناقشة الفكرية التي تحترم خصوصية الفكر وحرية التعبير.

يتناول المؤلف، في صفحات قليلة العدد، مقارنة بغيره من الموسوعات الفلسفية، آراءَ أكثر من 250 من المفكرين والفلاسفة الغربيين (أهمهم: هيراقليطس، وبارمنيدس، وسقراط، وأفلاطون، والقديس أوغسطين، والقديس أنسلم، وتوما الأكويني، ورينيه ديكارت، وباروخ سبينوزا، وجورج فيلهلم، وفريدريش هيغل، وإيمانويل كانط، وكارل ماركس، وألبرت أينشتاين، وهنري برغسون، وبرترناند راسل، ولودفيغ فتغنشتاين، وألفرد آير، ورودولف كارناب، وجان هرش، وغاستون باشلار، وغيرهم)، والعرب المسلمون (أبو نصر محمد الفارابي، وأبو علي الحسين بن سينا، وأبو حامد محمد الغزالي، وأبو الوليد محمد بن رشد، والشيخ محمد عبده، ومحمد إقبال، ومالك بن نبي، وربحي كمال، وسامي الدروبي، وغيرهم)، وكان على معرفة حتى بالفلاسفة المغمورين وأفكارهم، وهي معرفة تشهد على سعة اطلاعه، كما يشير المترجم الذي كان يدرس الآداب في "جامعة دمشق" خلال تدريس الكسم مادتَي الفلسفة العامة والمنطق لطلّاب هذا الاختصاص، فيقول إن الكسم كان يفاجئ الطلاب أحيانًا خلال تناوله آراء مشاهير الفلاسفة، مثل ديكارت وهيغل، بعرض رأي فيلسوف تركي أو ياباني لم يسمع به أحد من قبل، وإن سعة اطلاعه هذه حجزت له احترامًا خاصًّا لدى أساتذة الجامعة كلهم.

يتناول المؤلف، في صفحات قليلة العدد، آراءَ أكثر من 250 من المفكرين والفلاسفة الغربيين والعرب والمسلمين

وكانت كتابات الكسم الأولى أثناء دراسته في "جامعة القاهرة"، حين نشر تلخيصًا لكتاب برغسون "التطور الخالق" الذي يُعد أصعب كتبه، وكتيبًا عن الشاعر الفرنسي بول فاليري، ثم في دمشق  نشر مقالتَي "العاطفة القومية بين مزايا الأمة وعيوبها"، و"الإنسانية الصحيحة في القومية الصحيحة". وبعد تلك الفترة المبكرة نشر مقالة "دور الفلسفة في توحيد الفكر العربي" في القاهرة، ثم مقالة "الثقافة القومية والثقافة الإنسانية"، ومحاضرة "الشرق والغرب في فلسفة رينيه غينون"، ومقالة "الحقيقة الفلسفية" في جامعة دمشق، ثم محاضرة "طاغور الفيلسوف" في ذكراه المئوية، بيَّن فيها فلسفة الهند عمومًا، ودعوتها إلى القضاء على الفردية، والتحرر من الجهل، ومقالة "مفهوم الوطنية في فلسفة فيشته" في دمشق، وقد حلل فيها كتاب يوهان غوتليب فيشته "خطب إلى الأمة الألمانية"، ونقده فلسفة التنوير واللغة والحضارة الفرنسيتين، وإيضاحه الطابع القومي للشعب الألماني، ثم مقالة "الشعب وحرية الفرد في فلسفة هيغل" في دمشق، التي بيّن فيها أنْ لا حرية للفرد عند هيغل إلا حين يعيّن بنفسه قاعدة سلوكه، ومقالة "حول أزمة الإنسان الحديث" في دمشق، التي حلّل فيها كتاب تشارلز فرنكل "أزمة الإنسان الحديث"، وتعرض فيها لوجهات نظر ماريتان، ومانهايم، ونيبور، وتوينبي، ثم مقالة "النزعة الإنسانية"، التي أوضح أنها دفاع عن الفردية ضد العبودية - الإقطاعية، وعن حرية التفكير ضد سلطة التعصب، وعن نبالة الإنسان ضد قوى الطبيعة، ثم مقالتَي "الغاية والوسيلة" و"من خصائص التفكير" في دمشق، ثم مقالة "الإنسان حيوان ناطق"، وقد كشف فيها عن منطقية منهج الجدليين في أن الإنسان ينزع إلى العقل بتجاوزه نفسه، وأنه حيوان صانع، وحيوان سياسي، وحيوان فيلسوف، ثم مقالة "الحرية أساسًا"، التي تتناول علاقة الحرية بالحقيقة والقيمة، ومحاضرة "الثورة الثقافية" في الجزائر، التي عرّف فيها الثورة بأنها ثقافية أولًا، وهو يرفض تسمية انتفاضات التاريخ جميعًا بـ "الثورات" لأنها لم تستبدل بالتبعية استقلالًا، وبالقهر حرية، وبالمذلة كرامة.

أما الثورة الثقافية العربية، فيقول الكسم إن عليها تجاوز أخطاء التجارب الأخرى، وإشاعة منظومة من القيم تستطيع مجتمعةً أن تُنمّي في المواطن صلابة نفسية تحميه من الانحرافات المختلفة. وفي مقالة "ازدواج الدلالة في الثقافة العربية"، يترافع الكسم دفاعًا عن الثقافة العربية، وعن اللغة العربية، فينبري لكتاب يحمل هذا العنوان لمجموعة علماء حاولوا فيه تصوير ظاهرة الأضداد في اللغة العربية دليلًا على لامنطقية العقل العربي، متصديًا لمزاعمهم ومفندًا وداحضًا.

المساهمون