في المنزلِ قنينة ماء،
شبّاك،
منشغلٌ بالعائد، وحروف خاشعة،
تصغي للضوء الرائق،
والخافت،
وكأن الضوء الخافت سرٌّ يلهمنا،
مرتفع، ينساق إلينا،
أفعمه الماتع،
والشائق أيضاً، من غيب الظالم والمظلوم.
في المنزل علبة ألوان،
مِزق من ورق مائلة فوق الحائط،
كانت ناقصة،
يتنفس منها رجل، يغمض جفنيه قليلاً
حين تنام الزنزانةُ والكوّةُ،
وتكون المفتاح، الدار.
مرتبة ذابلة، في القرنة كانت،
وكلام سوف يقال.
مريول فتاة قد رُتّب في نسق أو أنساق.
ذاكرة تستيقظ،
لتفصّل هيبتها ناظمة،
وترتّب أمراً بيديها.
وينزّ التلفاز كلاماً زلقاً،
صورته تبدو عاثرة.
في المنزل دفتر إملاء مفتوح، مبتلٌّ في قاع الصفحة.
قالوا: أحلام الأطفال حريرٌ، أو قيل رخامٌ،
والنرجس يتراءى أو يلمع في ماء والقاع محار.
في المنزل أسئلة تضع الرأس طويلاً بين يديها.
■
يجمع أزمنة الدنيا.
وسؤالاً.
ويسير وحيداً،
مع بعض خيال، كالخارج من معركة.
كان هناك.
■
يتوكّأُ رجلٌ،
لا شيَ هنالك في يده،
لا شيء هناك.
في الداخل لغة عاتية،
قيل لغات.
■
سيدة
تتحدث بيديها،
تقرأ في ورق مرتبك، يبدو،
تستحضر ما سمعت، وتهزّ الساق اليمنى في نسق،
لغة عاتية،
يحتشد الأسود فيها،
يبتعد الناس كثيراً، ويخبِّئ بعض الناس كلاماً،
أو ينظر كلٌّ في جهة أخرى،
أو يبدو يتحدث مع شجر. أو يقرأ في صُحف.
■
تأسرُها الدهشة، تستغرقُ:
لو أنّي قلّبت كلامي، لو قلت كلاماً متّئداً، قالت،
لو أحضرتُ فصولي كاملة،
لو عدتُ إلى كلّ دروسي
في الصّفّ الأول، أتسلسل،
لو أنّي غادرت الصفحة حين ازدحمت بكلامٍ خشب،
لو خرقة أمي لاحت في اللحظة،
لو أني حرّضت الجاثم في قلبي
كي ينظر في الأرض المفتوحة يكتبها،
لو أني أيضاً أدركت بأنّ حقيبة طالبةٍ فيها قلبُ فتاة ومرافئ أُخرى،
لو
تَعقد ما كان تفلّت تحت الصدغين، وتهبط غضبتها.
■
ولدٌ يتعثّر بزجاج الفكرة،
يتهشّم شيءٌ،
يبتلع المصعدُ بعضَ رجال ونساء.
ولدٌ يستدرج ذاكرة الحارة، تضرب أمٌّ يده،
يتعصّرُ،
أيضاً يتلوّى،
يَسقط من فمه بعض غبار.
■
قهقهة،
تتلاشى في بعض شقوق الهاجس،
ما زلنا في السطر الأول مِن هذا اليومْ.
نتثاءبُ،
نخرج من أخيلة،
نتمنّى أن نركض بالشكل الأفضل.
ما زلنا في الحرف الأوّل.
وأنا أتبتّل في كلّ شهيق وزفير.
■
يُخرج شيئاً من علبته، رجلٌ،
يتذكّر،
أن السيجارة في فمِهِ، وبقية أشلاء اليومٍ.
■
قد يشعل قداحته،
كي يسمع بعض خدوش الناس، انفقأت،
من أنثى سخرية،
جمعتها فوراً.
■
الحُزن زمان ومكان:
لم أنم اللّيلة، أو قبل اللّيلة،
يدخلني باص السجن مراراً، وتقول الرؤية،
أجلس في المقعد قبل حضور الباص بعام،
وأُصوّب أخيلتي،
وأرتِّب بعض كلامي.
■
أسماء، أرقام،
تتلمّس بُقجتها، وحوائج أخرى، كانت...
حيث الباص المتقدم نحو السجن قبيل الفجرْ.
وتخاطب غيباً.
- أين وصلنا!
■
وتدقّ الفضفاض الجالس، جارتها:
- ما زلنا بعد الفجر بشبر واحد.
تغمض عينيها عاشرة، ثم تشدّ البُقجة إن زاغت،
فالوقت سراب.
تستيقظ ثانية
يهبط كفّاها من حفرة هيبتها نحو العِقصة والصدغين وتسأل.
- أين وصلنا!
بعد الفجر بشبر آخر.
تتلمّس بقجتها،
ثم تغيب.
■
نافذة الباص المُثقل تنساق بعيداً.
يطوي أو يهذر،
شجر، صحراء، كلمات تركض، غبش، ذاكرة:
"أنتَ مُش بِزورهَ يومْ
ليخ لبيتا يَلّه!"
كومة لحم أو عظم في معظمه،
بعض الماء البارد،
أنصاف حلول، كل سواد الدنيا يهبط،
أصوات جنود دخلوا كل هواء،
قرقعة،
شيْ يتناثر تحت الأرجل،
كانت تلك البقجة.
■
قدام المنزل:
ولد يقرأ مكتوباً:
يسحبُ رقبته لأَمامٍ.
يسرف أو يغدق في النخوة،
ينزاح قليلاً نحو حروف مائلة لُفّت. ويمدّ الراحة من يده، ويظنّ بأنّ السور تحرّك، ويعدّل من وقفته، يتذكّر بعض شتاءات حضرت، ثم تنبّه أن هنالك من يصغي للهمزة، والشّدّة، وخدوش الزمن اليابس، فيعيد السّطر بأكمله، صوت رجال ونساء في الحارة. فاحمة تصمت لتقول الشائق والحقب المخبوءة.
يسترخي عند الجملة، يتلعثم، يضغط مفردة في مفردة، يتنفّس، يقفز من حرف ينهب نصف الصوت التالي، يستغرق، يُغرق، ينزاح قليلاً ثانية، يسحب نَفَساً من فنجان القهوة، يرتاب كثيرأً حين يكون المعنى أكثر من باب.
والمرأة تصغي، وتقول بصوت مرتفع:
يا مين دَرا!
وتردّدها.
كانت تتهدّل، أو تدلف في أسئلة شتى.
للتمنّي والدعاء.
* شاعر من فلسطين