تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه. "التهديد الأكبر لحرية الكاتب هو أن يتناسى أنّه صوت متكامل وأن يتماهى مع ما يتطلّبه الأدب أو السوق؛ أي أن يكتب للبيع فقط"، يقول الكاتب الإيطالي في حديث إلى "العربي الجديد".
■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- كنتُ طيلة سنوات، لا سيّما في بداية العقد الأخير، أعتبر أنّ إيطاليا لا تنمو على المستوى الأدبي. لكنْ، في السنوات الخمس الماضية، أحدث البلدُ ثورة كاملة في مخزونه الأدبي، من خلال إيجاد تيّارات جديدة واكتشاف وتمكين الكتّاب الذين نضجوا بمرور الوقت. أجد أنّ المشهد الإيطالي، في هذه اللحظة، مزدهرٌ للغاية، وأنه عزّز أشكالاً أدبية جديدة، سواءً تلك المتعلّقة بالواقع أو بالخيال. ولهذا السبب، على الأدب الإيطالي ألّا يحسد بقية الدول الأوروبية على أيّ شيء.
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأيّ كتاب لكَ تنصحه أن يبدأ؟
- أعتقد أنه يمكن للقارئ أن يبدأ برواية "أفعال فاحشة في مكان خاص". أسلوبي هو التغيير مع كلّ كتاب. هناك ثيمات متكرّرة، مثل التخلّي الأبوي، النضال من أجل التحرّر، التمييز، حماية أسرار الأفراد، المجتمع الذي يضطهدنا بالقواعد والقيود التي يريد أن يفرضها علينا. هذه هي ثيماتي المتكرّرة. بشكل عام، لديّ اهتمام كبير بتفاصيل البشر الصغيرة والعلاقات التي تتطوّر على مدى الحياة.
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- السؤال الذي يشغلني هذه الأيام متعلّق بصحّة العالم، بسبب التبِعات النفسيّة التي يُنتجها فيروس كورونا. أتساءل، كيف ستكون حال البشرية بعد هذه الجائحة؟ هل سنكون سعداءَ مرّةً أخرى؟ هل سنظلّ أحراراً أم أنّ هذه الجائحة الصادمة ستسِمُنا أبداً بمَيْسمِها؟ هذه هي الأسئلة التي تؤرّقني في هذه الأيام العصيبة.
■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها، وما أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- يسرّني جداً أنّ ثقافتي قادرة على خلق نسيج من التقاليد الكثيرة حقاً، التي يعود تاريخها إلى فجر التاريخ، لكن تعيش الآن في جوّ من الحداثة. نحن شعبٌ يعرف كيفيّة حياكة ما يأتي من الكلاسيكية إلى الحداثة والثورة. نحن كلاسيكيون ثوريّون، وثوّار كلاسيكيون. هذه هي هِبةُ إيطاليا.
نحن كلاسيكيون ثوريون، وثوار كلاسيكيون: هذه هبة إيطاليا
■ إذا كنت ستبدأ من جديد، فما المسار الذي ستختاره في الحياة، وما هي الخيارات الأخرى التي ستختارها؟
- إذا كان عليّ أن أبدأ من جديد، فمِنَ المحتمل أن أكون مدرسّاً أو معالجاً نفسيّاً، فهذان شغَفان ما زلت أنمّيهما على أي حال. المعلّم، لأنني ما زلت أدرّس الكتابة الإبداعية في مدارس مختلفة، والمعالج النفسي لأنّني أدرُس لأصبحه في حياةٍ ثانية. لذلك، فإنني تمكّنت، بطريقة ما، من تحقيق أحلامي.
■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أنتظر تغييراً سُلالياً عميقاً للغاية، لكي تكون هنالك مساواةٌ بين البشرية جمعاء. قد يكون ذلك يوتوبياً وقد لا يكون. أنتظر المساواة بين الجنسين. سيسرّني ذلك كثيراً لو حصل. أنتظر المساواة في الحقوق المدنيّة الكاملة، وهذا سيسّرني أيضاً، بما فيه حقوق المتحوّلين جنسياً. لذلك، أرغب بالمساواة الكاملة في جميع أشكال الحياة الموجودة في العالم.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أود أن أقابل همينغواي؛ ربما يمكنني أن أتشاجر معه على طاولة عشاء، وربما يمكنني أن أصبح أفضل صديق له، لكنني أشعر بأن هناك صراعاً عميقاً جدّاً معه حول مسألة الروابط. لذلك أودّ أن أقابله هو تحديداً. أما فيما يتعلق بكتّاب أكثر قرباً منّا زمانياً، فكنت أودّ أن أقابل فيليب روث، لكن لم يحالفني الحظ. هذا أكثر أمرٍ أندم عليه.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- أعتقد أن التهديد الأكبر هو الانحدار إلى مستوى ما يريده القارئ. أي ألّا تكون صوتاً حرّاً، أن تتناسى أنّك صوتٌ متكامل وأن تتماهى مع ما يتطلبّه الأدب أو السوق، أو أن تكون مطيّةً لنظام ترويج الكتب؛ أي أن تكتب للبيع فقط وليس لمنح صوتك للعالم.
■ ما هي قضيتك، وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- بالتأكيد، يمكن أن تكون الكتابة قضيةً في حدّ ذاتها. يمكن أن تكون أداةً حيويّة لقضيةٍ أخرى. قضيّتي هي أن أروي القصص للعالم، لا أكثر ولا أقل. تقديم قصصٍ جديدة للعالم، على أمل أن يكون العالمُ متحمّساً لها.
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- كما قال أمبرتو إيكو، فإن المترجمين هم كتّابٌ جدُد للكتب التي يترجمونها. ثمة مسؤولية كبيرة عليهم. أحترمهم وأشعر بالغضب الشديد لأنه، في كثير من الأحيان، لا يجري ذكرهم في المراجعات والعروض التقديمية، ولا يجري ذكرهم للإشارة إلى العمل القيّم الذي يقومون به. الترجمة كتابة، وربّما تكون الترجمة أكثر إرهاقاً من الكتابة نفسِها.
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- جيّدة ومتناغمة.
■ كاتب منسيّ من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- الكاتب المنسيّ في لغتي الذي أودّ أن يقرأه العالم هو حتماً وبالتأكيد دينو بوزاتي. أودّ أن يعود للرواج في جميع أنحاء العالم لأنه كان قادراً على سرد العالم البرجوازي، وكذلك العالم البشري وعالم العلاقات الصغيرة الخفيّة، كما لم يفعل أيّ شخص آخر في إيطاليا.
من أكثر ما أندم عليه عدم تعرّفي شخصيّاً إلى فيليب روث
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، فكيف تحبّ أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- بالنسبة إلى القصص التي أرويها، أودّ من الناس، إذا بقي حقاً ما أكتبُه، أن يظلّوا متحمّسين خلال ألف عام، وأن يقولوا إنّ تلك القصص وتلك المشاعر ظلّت عالمية، لأنها عالميّة المنشأ.
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- عزيزي القارئ، أتمنّى أن تكون متحمّساً لقصصي، آمل أن تزيل قصصي حدود شعبك، وشعبي أيضاً، وحدود جميع الشعوب، بحيث يكون الكتاب الأرض الحقيقيّة الوحيدة للقائنا. هذا سيسعدني كثيراً.
بطاقة
كاتب إيطالي من الجيل الجديد الذي استطاع أن يجد لنفسه طريقاً بعيداً عن سيطرة الكتّاب المتربّعين على الساحة الأدبية الإيطالية حتى مطلع التسعينيات. وُلد في ريميني عام 1981، ومن بين إصداراته، في الرواية: "بلا ذيل" (2005)، و"إحساس الفيل" (2012)، و"أعمال فاحشة في مكان خاص" التي تصدّرت مبيعات الكتب في إيطاليا عام صدورها (2015)، وتحوّلت إلى فيلم سينمائي. آخر رواياته "إخلاص" (2019).