في مئويَّة الملّا عُثمان الموصلي.. تجديد روح المَقام العراقي

29 يناير 2023
الملّا عثمان الموصلي في رسم لبشار الصوفي، 2021
+ الخط -

يشغل فنّ المَقام حيّزاً كبيراً في الذاكرة الشعبية التي بقيت تحتفظ بأصوات وقُرّاء كان لهم حضور بارز في هذا الفنّ على مرّ السنين، أمثال جميل البغدادي، ورشيد القندرجي، وعباس كَمبر، ونجم الشيخلي، ويوسف الكربلائي في أوائل القرن العشرين، ومن الجيل اللاحق: ناظم الغَزالي، ويوسف عُمر، وزهور حسين، ومائدة نزهت، وسلطانة يوسف، وجميل الأعظمي، والذين لا زالت أغانيهم تُسمَع في المقاهي العراقية.

لم يَقتصر سماع المَقام على الجيل الذي عاصر تلك الأصوات أو تلاها، فهو يحظى في الوقت الحالي باهتمام كبير لدى الشباب، لاسيما مع انتشار الوصلات الغنائية لهذه الأسماء عبر مواقع التواصل وسهولة الوصول إليها، وهو ما يُمثّل استرجاعاً لروح الفن الأصيل في مقابل يُتداوَل من فن هابط.

استذكاراً للموسيقي وقارئ المقام العراقي الملّا عُثمان الموصلي (1923 - 1854) في مئوية ميلاده، تُقدّم "الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي"، بقيادة علاء مجيد، مساء غدٍ الإثنين، في قاعة "المسرح الوطني" ببغداد، حفلاً بمشاركة خمسين موسيقياً يؤدّون مقطوعات من التراث العراقي، إضافة إلى قرّاء مقام يقرأون من قصائد الموصلي ويستعيدون ألحانه.

كان الموصلي من مشاهير قرّاء القرآن والمَقام في الوقت نفسه

بدأ الملّا عُثمان الموصلي (من مواليد الموصل شمال العراق) مسيرته بتلاوة القرآن وقراءة الشعر، قبل أن تبرز موهبته على يد قارئ المقام الشهير رحمة الله شلتاغ، حتى نَفيهِ إلى تركيا لفترة قصيرة بسبب انتقاده الدولة العثمانية وإدارتها، لعود إلى العراق وينتمي إلى الطريقة الصوفية القادرية؛ حيث لحّن وغنّى الكثير من القصائد الصوفية، ما جعله ينال شهرة واسعة في ما بعد في إسطنبول بعد عودته إليها.

وهكذا صار الموصلي، الذي كان عذب الصوت وعازفاً بارعاً للعود والطبلة والقانون والناي، من مشاهير قرّاء القرآن والمَقام في الوقت نفسه؛ ولحّن الكثير من الموشّحات والأغاني البارزة والمتداوَلة إلى اليوم؛ مثل: "ويا من لعبت بهِ شمولٌ"، و"لغة العرب اذكرينا"، و"فوك النخل فوك"، و"ربيتك زغيرون حسن"، ويا ام العيون السود. 

وإلى جانب ذلك، نشر الموصلي عدّة مؤلّفات؛ من بينها: "تخميس لامية البوصيري" (1895)، و"الأبكار الحِسان في مدح سيد الأكوان" (1895)، و"المراثي الموصلية في العلماء المصرية" (1897)، و"مجموعة سعادة الدّارين" (1898)، و"الأجوبة العراقية لأبي الثناء الآلوسي" (1890)، كما أصدر مجلّة باسم "المعارف" خلال إقامته في مصر.

أمّا "الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي"، فقد تأسّت عام 1996 باسم "فرقة بابل"، ثمّ توقّفت عام 2016 بسبب قلّة الموارد المالية، لتعود برئاسة العازف علاء مجيد؛ حيث أقامت في السنوات القليلة الماضية العديد من الحفلات التي ركّزت فيها على التراث الغنائي، مُستخدمةً الآلات التقليدية المعروفة؛ مثل العود والسنطور والناي والقانون، ومعتمدةً على أصوات شابّة من قُرّاء المقام ومُغنّيي اللونَين الريفي والبدوي.

المساهمون