في قطاع غزّة

28 مايو 2024
ناتالي كانتان (تـ: جان بول إيرش)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النص يعكس الوضع في فلسطين، مشيرًا إلى استدعاء الشرطة لنواب برلمانيين وصحفيين بتهمة "تمجيد الإرهاب" لمطالبتهم بوقف إطلاق النار.
- يصف الحياة في قطاع غزة بأنها تحتفظ ببعض مظاهر الحياة الطبيعية مثل الوصول إلى الماء الصالح للشرب، الإنترنت، والخدمات البنكية، مع الإشارة إلى أن السكان يعيشون في منازلهم وليسوا مرغمين على البحث عن الخبز.
- يُظهر النص تناقضات الحياة في غزة، حيث تستمر الحياة بشكل ما رغم الصراع، مع التأكيد على أن الأطفال والمستشفيات والمخابز لم تتعرض للدمار الكامل، ويستطيع السكان الحصول على الغذاء.

كتبتُ هذا النصّ القصير في بداية الأسبوع لأنّ الأمور سيّئةٌ جدّاً في ما يخصّ ما يحدث في فلسطين. استدعت الشرطةُ نوّاباً برلمانيّين وصحافيّين ونقابيّين بتهمة "تمجيد الإرهاب" بمجرّد أن طالبوا بوقف لإطلاق النار...

إلى مانويل جوزيف


في قطاع غزّة، الطرق صالحة للسير والشارع الذي يحاذي البحر ليس مدمَّراً، بل يجاري البحر.

لدينا الماء، والماء الصالح للشرب، والمراحيض. نذهب إلى المراحيض في غزّة، وهي، بالمناسبة، ليست مزدحمة، وهناك أيضاً علب جاهزة للنظافة وكلُّ شخص يتوفر على حمّام خاص به ولا يعامَل مثل القمامة.

الإنترنت ليس مقطوعاً لأنّ القصف الشديد ليس متواصلاً، وليس هناك نقص في الطاقة. يُمكننا، إذن، أن نصل إلى المعلومات الحيوية، وأن نحصل بسرعة على الإسعافات الأوّلية.

يمكننا أيضاً أن نسحب الأموال التي نحتاجها، لأنّ البنوك لم تُدمَّر.

سكّان قطاع غزّة لم يُرحَّلوا، بل يعيشون في منازلهم التي لم تُدمَّر ولم تُحرق، مثلها مثل سياراتهم التي لم تُدمَّر ولم تُحرَق. كلُّ شيء لم يُسَوَّ بالأرض تماماً.

وبالتالي، لا يمكننا أن ندّعي أنّ المقابر قد دُمّرت عن آخرها، وأنّ الجثامين المختلفة اختلط بعضها ببعض، وألّا أحد صوّر نفسه وهو يُهدي تدمير عمارة إلى ابنته بمناسبة عيد ميلادها.

الأطفال ليسوا مرغَمين على البحث عن الخبز دون أن يحصلوا عليه

وفي الوقت نفسه، لم نَدفن الجرحى أحياء أو المرضى في ساحة المستشفى الذين كانوا يعالجون فيه، ولم نحرق ما تبقّى من مؤونة السكّان غير الموتى في حيّ لم يُدمَّر، ولم نصوّر مدنيّين شبه عراة راكعين في الشارع، وحينما نستخرج بعض الأجساد من قطاع غزّة، نكون قد حفرنا مقبرة جماعية قرب الشاطئ، ثمّ أحضرنا جرّافة لتغطيها بالتراب أثناء الجنازة. 

تلد النساء في غزّة، فالمستشفيات غير مدمَّرة، والدواء موجود بكثرة، والرضّع لا يتعرّضون لخطر الموت. الأطفال لا تُبتر أطرافهم دون تخدير، ولا أحد منهم يطلب أن تُربط ساقاه.

حين يكون الجوّ جميلاً، نذهب إلى البحر، لا لنغتسل، بل لنسبح ونلعب الكرة، حتى ولو اشتعلت الخيام مثل الأفران ولم يشبه الهواء النار.

في مكاتبهم، في الشوارع، في بيوتهم، في المخيّمات وفي سيارتهم، يأكل السكان، فالمخابز لم تتعرّض للقصف ولم يبق إلّا واحد منها. 

ولهذا السبب، فالأطفال ليسوا مرغَمين على البحث دون أن يُوفّقوا في الحصول على الخبز، ولا أحد يلهو بعجن الحبوب أو علف الحيوانات ليصنع منه دماً بديلاً.

يأكلون الفول وسمك التونة والفاصوليا المعلّبة، مثلاً، وإذا انتهى الفول وسمك التونة والفاصوليا المعلَّبة يجمعون الأعشاب حتى لا ينتهي بهم الأمر إلى أكل علف الماشية.


* ترجمة عن الفرنسية: جلال الحكماوي


بطاقة

Nathalie Quintane شاعرة وكاتبة فرنسية وُلدت في باريس عام 1964، من بين أعمالها كتاب بعنوان "عين ناقصة"، تعود فيه إلى الحراك الاجتماعي المعروف بـ"Nuit debout" (ليلة وقوف)، الذي شهدته بلادها في آذار/ مارس 2016 احتجاجاً على قانون العمل.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون