استمع إلى الملخص
- الكتاب يضم شخصيات حقيقية مثل يوسف السباعي ومصطفى محمود، مما يضفي عليه طابعاً واقعياً، ويُقدّم تجربة قراءة جديدة تتجاوز الأطر التقليدية للرواية.
- إيمان مرسال تبتكر صيغة جديدة في الكتابة، تجمع بين الأحداث والتأملات والبحث الأرشيفي، مما يجعل الكتاب تجربة غنية ومبتكرة في عالم الأدب.
يُقال إنّ بداية رواية "آنا كارنينا" لتولستوي، واحدة من أكثر البدايات توفيقاً في قدرة الروائي على وضع القارئ داخل النصّ، حين كتب: "جميع الأسَر السعيدة تتشابه، لكن كلّ أسرة تعيسة فهي تعيسة على طريقتها". تذكّرت هذا المطلع، حين بدأت قراءة كتاب إيمان مرسال "في أثر عنايات الزيات" (الكتب خان، 2019 )، وهذه هي بدايته: "لم تذهب بولا إلى الجنازة، ولا تعرف أين المقبرة. أعادت القصّة التي سمعتها منها من قبل بنفس الترتيب والتفاصيل: إنّها بعد ذلك التلفون المشؤوم ذهبت إلى البيت في الدقّي، قفزت السلالم إلى شقّة الطابق الثاني. كانوا قد كسروا بالفعل باب الغرفة بحثاً عنها". سيستمرّ هذا الإيقاع الروائي في مطلع كتاب، يُفترض أنّه سيرة كاتب، أو يشبه السيرة، لا إلى نهاية الفقرة، وهي فقرة كاملة مفتوحة على احتمالات لا نهائية، بل إلى نهاية الكتاب.
ليست سيرة قطعاً، علما أنّنا نخرج من الكتاب، وقد عرفنا سيرة عنايات الزيات، أو عرفنا ما هو ضروري من الجوانب التي كوّنت شخصيتها، وأفضت بتلك الشخصية إلى مصيرها. وليست رواية، كما اعتدنا أن نُسمّي، أو نقرأ الروايات، ففي النصّ تذكر جميع الشخصيات التي كان لها دور ما في حياة الكاتبة الغائبة، بأسمائها: يوسف السباعي، ومصطفى محمود، وأنيس منصور، ونادية لطفي، وفوميل لبيب، وكذلك والد عنايات، وشقيقاتها، واسم زوجها، بحيث يمنح الكتاب العناصر الضرورية للسيرة الخاصّة، ففي السيرة نتعرّف إلى عنايات الزيات وكأنّها تعيش اليوم بيننا، دون أن تتورّط الكتابة بأيّ محاولة لخلق عواطف الحزن أو الشفقة أو الأسف على ما فات، وتَسبّب في انتحارها، في الوقت الذي
تضيء الكاتبة، فصلاً بعد آخر، على النصّ الوحيد الذي كتبته عنايات، وهو رواية بعنوان "الحب والصمت".
لم يكن مجرّد أحداث، وفيه من الأحداث ما يكفي لتشغيل النصّ الروائي
وفي الصياغة الفنّية، تشتغل إيمان مرسال على نسج عمل تتوافر فيه عناصر روائية مبتكرة، تكسر فيها أركان الرواية المتعارف عليها، في الوقت الذي تُقدّم فيه ركناً بعد آخر لاقتراح كتابة جديدة تماماً، في نصّ يمكن قراءته مثل رواية متخيَّلة من قبل من لا يعرف شيئاً عن أسماء الأشخاص الذين شاركوا في الواقع المحدَّد في الأحداث الماضية، سواء في الثقافات الأخرى، حين يترجم الكتاب إليها، أو في ثقافتنا العربية، إذ إنّ معظم القرّاء العرب من جيل الشباب اليوم، قد لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء الكتّاب الذين تذكرهم، ومن غير المهمّ أن يعرفوا. ولهذا يسهل إدخالهم في النص بوصفهم شخصيات روائية، كان لها دور في مصير الشخصية الرئيسية التي أخذت عنوان الرواية.
لا تفقد الروائية إيقاع الكتابة طوال صفحات العمل الذي وصل إلى مئتين وأربع وأربعين صفحة، وهي تقول: "كنت أعي أنّ الرواية الجيّدة ليست مجرّد أحداث". وهكذا كان هذا الكتاب، الذي لم يكن مجرّد أحداث، وفيه من الأحداث ما يكفي لتشغيل النصّ الروائي، ومن التأمّلات، والأسئلة، والبحث في الأرشيف، ما يساعد على خلق الصيغة الجديدة التي تبتكرها لكتابة سيرة كاتب آخر.
* روائي من سورية