منذ اللحظة الأُولى لبدء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة، سارعت مؤسَّسات ثقافية تونسية إلى التعبير عن إدانتها للعدوان ووقوفها مع الشعب الفلسطيني؛ إذ أعلَنت وزارة الثقافة عن إلغاء حفل اختتام تظاهرة "دريم سيتي" الذي كان مُقرّراً مساء الثامن من الشهر الجاري في "مدينة الثقافة" التي توشَّح بُرجُها بالعلَم والكوفية الفلسطينيَّين، ودعت المؤسَّسات التابعة إلى تعليق البرامج الاحتفالية حتى إشعار آخر "في هذا الظرف الصعب الذي يمرّ به الشعب الفلسطيني الأعزل".
من جانبه، أدان "اتحاد الكتّاب التونسيّين"، في بيان أصدره الجمعة، العدوان الإسرائيلي، وعبّر عن مساندته "كلَّ عمل مقاوم يهدف إلى تحرير الأرض الفلسطينية المغتصَبة، والدفاع عن مقدَّسات الشعب، وإقرار حقّ الفلسطينيّين في العودة وتقرير مصيرهم وبناء دولتهم المستقلّة وعاصمتها القدس"، داعياً الكتّاب العرب إلى "تأييد للمقاومة الفلسطينية الباسلة للضغط من أجل الكفّ عن الإبادة الجماعية لشعبنا".
ضمن هذا السياق، نظّم "المتحف الوطني للفنّ الحديث والمعاصر"، بالتعاون مع "مسرح الأوبرا" في "مدينة الثقافة"، مساء الجمعة، أُمسية ثقافية بعنوان "تجلّيات الالتزام في الفنّ الفلسطيني"، تضمّنت معرضاً لمجموعة من اللوحات لفنّانين تونسيّين وفلسطينيّين، تُعبّر عن "الانتصار للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، والتنديد بجرائم الاحتلال وممارساته الوحشية"، إلى جانب محاضَرة بالعنوان نفسه، قدّمتها الأكاديمية والباحثة التونسية فوزية ضيف الله.
نضج مفهوم الالتزام بصدور رواية غسّان كنفاني "رجالٌ في الشمس"
اعتبرت أستاذة الفلسفة في "المعهد العالي للعلوم الإنسانية" بتونس العاصمة، في محاضرتها، أنّ مفهوم الالتزام ارتبط، عربيّاً، بالأدب الفلسطيني؛ حيث ظهر بصدور رواية غسّان كنفاني "رجالٌ في الشمس" عام 1963. لكنّها أشارت إلى أنّ هذا المفهوم قد يحمل معانيَ ودلالات مختلفة، مُشيرةً، في هذا السياق، إلى "ضرورة إبعاده عن الاستعمالات الأيديولوجية".
تحدّثت ضيف الله، أيضاً، عن الفنّ التشكيلي الفلسطيني، الذي قالت إنّه يُعبّر عن "ذاكرة استثنائية تُقاوم كلّ أشكال النسيان والطمس والتلاشي، مُضيفةً أنّ التشكيل الفلسطيني ظلّ، على مدى أجيال، مُلتزماً بقضايا الوطن والحرية، ومُعبّراً بأساليب وتقنيات متعدّدة وضمن مدارس مختلفة، عن الشتات والتهجير والعودة، والتاريخ والموروث والأرض والزيتون والقدس والأقصى، مثلما يُصوّر المجازر والاعتداءات والحروب والموت والثكالى والطفولة المغتصَبة والغضب.
استعرضت المُحاضِرة أيضاً محطّات من تاريخ الحركة التشكيلية الفلسطينية الحديثة؛ منذ ما قبل النكبة إلى ما بعدها؛ خصوصاً مع إسماعيل شمّوط (1930-2006) منذ معرضه الأول في غزة عام 1953.
رسم شموط، ضمن المدرسة الواقعية، معاناة الفلسطينيّين بعد النكبة التي قالت إنّها فرضت واقعاً تشكيلياً مُختلفاً، ظهرت معه ثيمات "الشتات" و"اللجوء" و"العودة"، ومعها مفردات بصرية مشحونة بواقع الألم والموت والشتات.