فلسطين من لبنان

07 يوليو 2024
سيّارة إسعاف دمّرها العُدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، 27 آذار/ مارس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى أن الحرب القادمة على لبنان ستكون أكثر ضراوة وشمولية، مستهدفة جميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومناطقهم.
- الوضع الإقليمي المعقد يزيد من تعقيد المشهد اللبناني، حيث تتداخل مصالح دول عربية وغير عربية، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات العربية والإسرائيلية.
- الحرب الحالية بين حزب الله وإسرائيل تهدد بالتحول إلى حرب شاملة، مما يعيد إلى الأذهان كوارث ومآسي الحرب على غزة.

تتوالى تصريحات المسؤولين الإسرائيليّين عن الحرب على لبنان. تتلاحق في تتابُعٍ واصرار هُما، في الوقت ذاته، استباقٌ للحرب وجزء منها. لا بدّ أنّ اللبنانيّين الذين يشاهدون الحرب على غزّة على شاشات التلفزيون يفهمون الآن ماذا تعني حرب "إسرائيل". ليست هذه هي الحرب الأُولى لـ"إسرائيل" على لبنان. لكن مَشاهد القتل الحُرّ والدمار الكلّي، ونقص بل إدقاع الفلسطينّيين وبقائهم من دون حاجاتهم الأساسية، بل ومن دون مساكن وطعام وأدوية، تؤذن بأنّ حرب "إسرائيل" التالية ستكون أكثر ضراوة بما لا يُقاس، وستطاول هذه المرّة الناس كافّةً ولن ينجو منها أحد. 

لن تكون حرباً على الشيعة فقط، بل على اللبنانيّين في جملتهم، ستطاول عن عمد هذه المرّة المناطق والطوائف كلّها. تنبئنا مشاهد الحرب على غزّة بأنّ استهداف المدنيّين والقتل العشوائي والحصار المعيشي والاقتصادي والطبّي أعراض أساسية مقصودة، بل سلاح رئيسي يعمد الإسرائيليون إليه ويتقصّدونه.

أمرٌ كهذا في بلد منقسم طائفياً، بل يحيا منذ نشأته وقبلها حرباً أهلية مضمرة ومعلنة في آن معاً، في وسعنا القول إنّ هذه الحرب ليست بعيدة عن أوضاع المنطقة، بل هي في أحيان كثيرة صدى لها، تتقاطع معها وتنقلها إلى الداخل اللبناني. الحلقة الأخيرة من هذه الحرب، وهي لا تزال قائمة، شهادة صريحة على ذلك. لا ننسى أنّ "إسرائيل" حالفت فريقاً من اللبنانيّين ودعمته بالعتاد والسلاح، لا ننسى أنّ حليفها الأوّل بشير الجميّل توصّل إلى سدّة الرئاسة، وأخوه الذي تبعه خاض مفاوضات صلح معها. ثم لا ننسى أنّ "إسرائيل" غزَت لبنان ودخلت عاصمته. 

أين سيكون العرب تجاه مسألة طالما اعتُبرت مسألتهم المركزية؟

الآن يخوض حزب الله حرباً معلنة معها، وكونها حرب إسناد كما يطلق عليها، لا يمنع من أنّها حرب حقيقية. التصعيد فيها يهدّد بتحوّلها إلى حرب شاملة. عند ذلك تحضر حرب غزّة بكوارثها ومآسيها، ليست هذه بعيدة على كلّ حال، إذ لا يمضي يوم من دون هجمات وهجمات مضادّة، تترك بعدها لا عدداً متزايداً من القتلى فحسب، بل ودماراً حقيقياً.

أين هُم اللبنانيون، بطوائفهم وأقسامهم، من ذلك كلّه؟ لا يسعنا أن نقارب الموضوع اللبناني من دون أن ننفذ إلى تكوينه الداخلي. هذا التكوين هو، على الدوام، تقاطع وازدواج في الداخل والخارج. الخارج يعني فوراً المنطقة التي تجمع أقطاباً عرباً وغير عرب. يمكننا أن نميّز بينهم أنظمة شيعة وأنظمة سنّة، إيران وسورية من ناحية والسعودية وقطر والإمارات من الناحية الثانية. لكن "إسرائيل" المحاذية على أهبة الاستعداد للتدخّل، بل هي تتدخّل على نحو موارب، وخاصّة في الفترة الأخيرة التي سارعت فيها أنظمة عربية إلى الدخول في علاقات طبيعية معها. يمكننا القول إنّ حربها على غزّة امتحان مباشر لما يعنيه النظام العربي ومستقبل علاقاته. "إسرائيل" اليوم ليست بعيدة، إنّها، على نحو أو آخر، في عمق المنطقة، ولن يمضي الوقت حتى تصبح طرفاً فيها.

لبنان، اليوم، ذو صدارة شيعية، ذلك وضع يتأسّس من عقود، وهو الآن وريث مباشر للحرب الأهلية اللبنانية. بعد السلاح الفلسطيني الذي قامت عليه الحرب الأهلية، انتهى الأمر إلى الشيعة من وراء إيران، التي تقود اليوم حرباً شاملة ضدّ "إسرائيل". كان السنّة في يوم هُم حلفاء الفلسطينيّين، ومن هنا كانوا في صدارة الحرب مع "إسرائيل". 

الآن، بعد أن انتهت المسألة إلى إيران، لم تعُد الحرب ضدّ "إسرائيل" تماماً عربية، ولم يعُد السنّة في صدارتها. الحرب على غزّة تُهدّد بالتحوّل إلى حرب إقليمية، الشيعة على رأسها، رغم سنّية الفلسطينيّين، المعنيّين الأوائل بالمسألة. ذلك بالطبع يطرح وضعاً جديداً وخاصّة في المحيط اللبناني. إذا بات الشيعة المحاربين الأوائل ضدّ "إسرائيل" فأين سيكون السنّة اللبنانيون، بل أين سيكون العرب تجاه المسألة التي طالما اعتُبرت مسألتهم المركزية؟ أين سيكون المسيحيون الذين ليس في تاريخهم القريب أو البعيد هذه الحرب؟ وأين ستكون المسألة نفسها بعد انقلاب في العلاقات العربية لا نعرف إلى أين سينتهي؟


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون