ضمن اهتمامه بالحضارات القديمة، جمع سيغموند فرويد العديد من القطع الأثرية الصينية واليونانية والمصرية واستفاد من معرفته بتاريخها في استكشاف وتطوير العديد من مقارباته وطرق العلاج، حيث عُرف عنه استخلاص العديد من النظريات من خلال اطّلاعه على الأدب والفنون والآثار، بل إنه أشار إلى أنه قرأ في علم المصريات أكثر ممّا قرأه في علم النفس خلال فترة من حياته.
"فرويد والصين" عنوان المعرض الذي يُفتتح عند العاشرة والنصف من صباح بعد غدٍ السبت في "متحف فرويد" بلندن، ويتواصل حتى السادس والعشرين من حزيران/ يونيو المقبل، ويستكشف علاقة المحلّل النفسي النمساوي (1856 – 1939) بالثقافة الصينية التي شغلته في أواخر حياته.
كانت الشاشة الصينية الصغيرة المصنوعة من اليشم والخشب المثقوب، والتي وضعت في مكتبه اللندني، إحدى القطعتين الأثريّتين الوحيدتين اللتين تمّ إنقاذهما من منزله في فيينا عام 1938، حيث تمّ تهريبها من قبل صديقته ماري بونابرت بعيداً عن أعين السلطات النازية، وشكّلت هذه الشاشة لغزاً لدى الباحثين الذين حاولوا معرفة تأثيرها في عمله.
يشير أستاذ تاريخ الفن في "جامعة أكسفورد" كريغ كلوناس إلى أن فرويد استخدم الشاشة كتذكير بالمجهول، في دراسته للمنطقة المظلمة في النفس البشرية، وربطها بعلم نفس المرأة، ونظر إلى المصنوعات اليدوية الصينية كرموز تدلّ بقوّة على فكرة الغموض والتحوّل في تفكير البشر، كما استعان باللغة الصينية في نظيراته حول تفسير الأحلام، لكنّ ذلك نتج عن سوء فهم لديه بالصينية.
تعود هذه الشاشة إلى عهد أسرة تشينغ التي بدأت حكم الصين في ثلاثينيات القرن السابع عشر، واحتفظ معها بأدوات الكتابة المزخرفة مثل الفرشاة ومكعّبات الحبر ومساند الفرشاة، كما اقتنى مجموعة من المجوهرات الذهبية التي ورثتها ابنته آنا، إلى جانب العديد من الأطباق الصينية.
تحتوي مكتبة فرويد أيضاً على رسائل تبادلها مع الكاتب الصيني تشانغ شيزاو (1881 – 1973)، والذي تتضمّن حوارات فلسفية وثقافية استعان بها صاحب كتاب "موسى والتوحيد" في التعرّف على الصين بالإضافة إلى ما قرأه في "الموسوعة البريطانية"، وعدد من الكتب حول الفن والأدب الصيني باللغة الألمانية اقتناها ما بين الحرب العالميتين. كما احتفظ بنسخة صينية لمحاضراته التميهدية في التحليل النفسي ترجمها المعالج النفسي الصيني غاو جويفو (1896-1993)، وطُبعت عام 1930.
يشير بيان المعرض إلى أن مجموعة فرويد الصينية تضمّ أيضاً تماثيل قبور مصنوعة من الخزف، ونقوشاً دينية حجرية ومعدنية، والعديد من أحجار اليشم التي تتوزّع بين نسخ أصلية وأخرى تجارية كانت رائجة في سوق التحف الفنية في زمنه، وتُبرز اهتمامه بدراسة الأشياء المرتبطة بالموت والفقد وطقوس الحداد في الذاكرة الجمعية للبشرية.