عمران يونس.. النحت من وراء اللوحة

01 سبتمبر 2024
من المعرض
+ الخط -
اظهر الملخص
- "منتدى السفير" هو ما انتهت إليه جريدة "السفير" بعد احتجابها، حيث تحوّل إلى قاعة تستقبل روّاداً وندوات ومعارض.
- معرض الفنان السوري عمران يونس يعكس تجربته مع الحرب الأهلية من خلال لوحات تجريدية تبرز قسوة وعنف الحرب.
- اللوحات تتبنى التجريد وتتحول إلى مشروع نحتي، مما يضيف بُعداً آخر للون والشكل، ويجعل من المعرض تجربة فنية متكاملة تعكس رؤية الفنان.

"منتدى السفير" هو ما انتهت إليه جريدة "السفير" بعد احتجابها. إنّه قاعة في أسفل مبناها، تستقبل روّاداً وندوات ومعارض. معرض عمران يونس، الفنّان السوري، واحد من فعاليات المنتدى، التي تواترت بعد فترة من احتجاب الجريدة، وفي حياة مؤسّسها طلال سلمان.

عمران يونس، المولود عام 1971، تتقاطع تجربته مع الحرب الأهلية. كان لا بدّ أن تعكس لوحتُه رؤيته ومعايشته لهذه الحرب. ذلك وحده يُفسّر مغامرته التشكيلية، التي تجمع بين أساليب عدّة، تطغى عليها قسوة وعنف وتوحُّش وموضوعات تتواتر فيها صور الجثث والدماء والبربرية، أي إنّ مرجع هذه اللوحة هو الحرب بالدرجة الأُولى، وانطلاقاً منها تتوالى الأساليب والفضاءات.

هكذا يمكننا العودة إلى تعبيرية عاصفة تتجاور مع سردية ضارية، لتصل كما هو الحال في معرض "السفير" إلى تجريد لا يزال يحمل الدراماتيكية التي وسمت نتاج يونس، ولا تزال فيها بصماته واستشرافه ونزوعه الداخلي؛ أي إنّ هذا التجريد لا يتقاطع مع إرث التجريد كما وصل إلينا.

أوّل ملامح التجريد في لوحات المعرض بعدها عن الغنائية اللونية

أوّل ملامح هذا التجريد، بعده عن الغنائية اللونية، بل تقريباً بُعده اللوني. هنا لا نعثر على النسق اللوني، بل والانسجام والتجاور والتناغم التي نجدها في التأليف التجريدي، بل يمكن القول إنّ لوحة يونس هنا لا تقوم على اللون. ليس اللون هنا هو مبنى اللوحة، بل ونحن نتأمّل اللوحة ونتأمّل بخاصّة الأسود فيها، نفهم كيف أنّ تجريده يتّجه إلى ما لا يؤدّيه اللون، وراء اللون وهذه التجسيمات التي تصدر عنه، ما يمكن وصفه بأنّه تعبيرية مضمرة.

هذه الأحجام المجسّمة المتراصة المتتالية في اللوحة تكاد تنطق بما يتجاوز النسق التجريدي. ثمّة في هذا الشكل المتتابع ما يمكن اعتباره لوناً من حكائية. حين نرى أنّ لوحات المعرض القليلة تكاد تعيد في كلّ لوحة المفردات ذاتها، بل والتحجيم نفسه والنسق ذاته، نفهم أنّ وراء المعرض رسالة واحدة؛ أنّ هذه اللوحات لا تتقارب فحسب، إنْ في الإنشاء أو المبدأ أو الرؤية، لا تتقارب فحسب، بل تصدر عن الموقع ذاته.

إنّها في تعدُّدها تتكامل وكأنّها يُتمّم بعضها بعضاً، كأنّها يخرج بعضها من البعض، بل وتروي في مجموعها الحكاية نفسها. يمكننا أن نعتبر هكذا أنّنا أمام نصّ واحد، أو لوحة واحدة، بل نفهم، من ذلك، أنّ المعرض هو هكذا يبني من لوحة واحدة، ويكاد يكون في مجموعه وتعدّده هذه اللوحة الجامعة.

المعرض هنا لا يتبنّى التجريد إلّا ليحيد عنه، وليُنتج هكذا تعبيرية خافية. لكنّ لعبة عمران يونس لا تقف هنا. لعبته ليست في حيرتها فقط بين التعبير والتجريد، بل إنّنا أمام التباس آخر، هو هذه المرّة التباس اللوحة، بما ليست إياه. لا بدّ أنّنا، ونحن نتأمّل الأحجام التي تتوالى في اللوحة، لتبني، في مجموعها وتتبعها شكلاً، ليس بعيداً عن النحت، بل إنّ اللوحة تنحو هكذا إلى أن تكون تخطيطاً نحتياً. تتحوّل إلى أن تكون مشروعاً نحتياً، الشكل الذي تتكوّن منه اللوحة يكاد يكون اسكتشاً أو جملة نحتية. الشكل ليس سوى هذه الجملة، وما يحيط بها ليس سوى فضاء لها. هكذا نجد أنّ للون هنا وجهاً آخر، أفقاً آخر، يخرج عن مبدئه الأوّل ومشروعه الأساسي.


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون