عز الدين البوشيخي.. في طبيعة التواصل اللغوي

15 ديسمبر 2021
نجا المهداوي/ تونس
+ الخط -

في السيمنار الذي نظّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة اليوم الأربعاء بعنوان "كيف نتواصل باللّغة؟ مقاربة لسانيّة قالبيّة"، أشار أستاذ اللسانيات والباحث المغربي عز الدين البوشيخي إلى أن التواصل اللغوي هو تفاعل كلامي قاصد بين متخاطبين، وله مظهران: علاقي وتمثيلي.

وأوضح أن كلّ تواصل بين "أ" و"ب" يحدث تغييرات في معلوماتهما التداولية القائمة في ذهن المتكلم "أ" والمخاطب "ب"، وبالنظر إلى طبيعة العلاقة بينهما يتم الحديث عن علاقة علاقية، وبالنظر إلى المضمون يتم الحديث عن علاقة تمثيلية أو تعبيرية، وفي العلاقة الأولى يكون التواصل بين "أ" و"ب" توجيهياً إما لفعل شيء ما أو لقول شيء ما، بشكل أمري أو استفهامي، بينما لا يفترض المضمون نشاطاً توجيهياً، حيث يكون التواصل انفعالياً يعبّر عن المشاعر، أو إخبارياً يعبّر عن معرفة.

واعتبر أن المقاربة اللسانية تنبني على الدراسة العلمية للغة في إطار نظرية لسانية ذات توجّه ذهني أيّا كانت أصولها المنهجية؛ توليدية، وظيفية، وعرفانية أو غيرها، مميزاً بين اللسانيات الوصفية التي لا تربط بين اللغة والعقل، وبين اللسانيات التفسيرية التي تربط بين اللغة والعقل، حيث اعتمدت ورقته أعمال الباحثين في اللسانيات سيمون ديك، وهنخفلد وماكنزي إطاراً مرجعياً لها.

وقصد البوشيخي بالمقاربة القالبية تلك الدراسة العلمية القائمة على النظر إلى الموضوع (اللغة/ العقل) بوصفه مكوناً من أنساق فرعية أو قوالب تتميز بالخصائص الآنية: إفرادية البنية، وإفرادية المبادئ، وإفرادية التطور، وخاصية الاستقلال، وخاصية التفاعل.

ناقش المحاضِر البنية الذهنية المسؤولة عن التواصل اللغوي توليداً وتحليلاً

ورأى أن اللسانيات من بين علوم أخرى تنخرط في حقل علوم المعرفة المعاصرة بموجب انشغالها جزئياً بالإشكال المتعلق بتحديد بنية العقل البشري وطريقة عمله، وهذا الإشكال يتفرّع إلى عدّة أسئلة مركزية، هي: ما هي الملكات المعرفية التي يتكون منها العقل البشري؟ وهل يتكون من ملكات متميزة لكل منها بنيته ومبادئه الخاصة، أم أنه يتكون من ملكات معرفية متعددة لها بنية واحدة وتحكمها مبادئ واحدة؟ وما هي طبيعة العلاقة القائمة بين هذه الملكات؟ وما هي طريقة عملها؟ وكيف نتمكن من بناء نظرية علمية للعقل؟

كما ناقش البوشيخي البنية الذهنية المسؤولة عن التواصل اللغوي توليداً وتحليلاً، ويقتضي ذلك معرفة بنية القدرة التواصلية العامة وعدد القوالب التي تشكل القدرة التواصلية، ومكونات هذه القوالب، وطبيعة الدور الذي يقوم به كلّ قالب من القوالب وطريقة عمله، والتفاعل القائم بين هذه القوالب ونظام هذا التفاعل، وكيفية تمثيل المعلومات داخل كلّ قالب منها.

وتطرّق إلى مراحل إنتاج الخطاب التي تبتدئ بتحديد القصد التداولي، ثم تحديد المضمون الدلالي المناسب للقصد التداولي، وصياغة القصد والمضمون الدلالي في تركيب مناسب، وصولاً إلى تحقيق التركيب اللغوي بالنطق أو الكتابة.

ولفت البوشيخي إلى أن سيمون ديك اقترح البنية العامة للقدرة التواصلية، معتبراً أن البنية العامة لما هو موجود في ذهننا يتكون من القوالب التالية: القالب النحوي أو اللغوي وهو المركز، والقالب المنطقي، والقالب المعرفي، والقالب الاجتماعي، والقالب الإدراكي، مبيناً ان كلّ تواصل لغوي مهما بدا بسيطاً لا يمكن أن يقوم على اللغة؛ أي المعجم، والنحو، لأنه حتى يحدث هذا التواصل اللغوي بين اثنين فإنه يجب أن يشتركا في ما يتحدثان عنه، وهو ما يشكّل المعرفة المشتركة بينهما، وهذا ما يسمى القالب المعرفي.

كما تحدّد العلاقات الاجتماعية طبيعة العبارة اللغوية التي ينتجها المتكلم وكيفية إنتاجه للعبارة، والذي يسمى بالقالب الاجتماعي، بينما يمكننا إدراك الموجودات مثل أسماء الإشارة والبعد والقرب من خلال القالب الإدراكي، ويربط القالب المنطقي بين الأشياء ومسبباتها ووظائفها.
 

المساهمون