ما زال حديثُ العزلة ووقعُها حاضراً في موضوعات الفنون. وقد ربطه الكثيرون من النقاد بالجائحة وما فرضته من أنماط حياتية، وهذا صحيح إلى حدّ ما، بيد أنّه غير كاف. فهي موضوعة ذات تدرّجات، ولجوء الفنانين إلى التعبير عنها ليس أمراً مُستحدثاً، إذ يمكن الحديث عن أنواع من العزلة والاشتغال عليها، قد يكون الوباء جعلها تبدو ببُعد واحد قلّما يظهر فيه أيُّ عامل تمييزي.
على العكس من تلك النظرة الأُحادية، يُعيدنا التشكيلي العراقي جبر علوان (1948) من خلال معرضه "عزلة"، الذي يحتضنه "غاليري مصر" في القاهرة، حتى الأوّل من الشهر المُقبل، إلى معان متشعّبة لهذه الحالة، بما هي تقاطُع بين السيكولوجيا والقابلية للاجتماع.
إنه على المفترق تماماً، إلّا أنّ ما يوجد أمامها ليس طريقاً باتجاهين، بل أعقد وأبعد من ذلك بكثير. مع العلم أنّ بعض اللوحات يعود تاريخُ توقيعها إلى قرابة عقد من الزمن، أي قبل النسخة الأخيرة من كورونا.
تستوطن العتمة جيوب لوحة علوان، توشيحاتٌ مسودّة لها المساحة الأوسع، كما أنها تطوّق أي احتمال لوني، بمعنى أنّ التشكيلة اللونية تُجمع على الاستلاف من ذلك الجَيب، بهذا يستحيل الأحمر خمرياً فبُنّياً، والأزرق والأصفر يستغنيان عن ألقهما لصالح الدُّكنة كاملة.
أمّا في تمثيله للأشخاص، فلا يُقيّمهم بما للوجوه من تفاصيل، هم لا يحضرون كبورتريهات يكفي أن تُفصح بعض الملامح عن حالتهم الداخلية، بل كوجود مكتمل يُظهر قوّة العُزلة في بسط سيادتها على الأجساد أيضاً. إنّها تستحضر أشخاصاً بهيئات وحجوم كبيرة لا لتقول شيئاً عنهم في ذاتهم، إنما من أجل الإحالة إلى تلك الطاقة الاستبدادية التي اتّخذ المعرض اسمه منها.
ولمّا كانت العُزلة ترتبط، في أحد وجوهها، بأمزجة توصَف بـ"المعقّدة"؛ مثل الاكتئاب والقلق والمشاعر السوداوية، فإنّ المعادلات التشكيلية التي ينحو إليها علوان تبقى في حدود الانطباعية. فالمتلقّي يشعر أثناء النظر إلى الأشخاص في أعمال المعرض بأنّهم في حالة تغافُل عن كلّ ما يوتّر العين، وتسامُح مع التراجيديا التي أودت بهم إلى هذه "العزلة".
عليه، يمكن القول إنهم في حالة من السلام الداخلي التي يكثر الحديث عنها، وليست في جوهرها سوى ركون إلى البساطة.