لم نكن ننتظر ذكرى مرور 700 عام على رحيل الشاعر الإيطالي دانتي أليغييري (1265 ــ 1321) كي نكتشف أهمّيّته وأصداء مسيرته التي لا تزال حاضرةً، ليس في إيطاليا وحدها، بل في أوروبا الغربية بشكل عام، وربما في جزء كبير من العالَم. في اللغة وحدها، يمكن أن نحصي أكثر من 10 طبعات مختلفة لعمله الأشهر، "الكوميديا الإلهية"، أو لفصولٍ منه.
أمّا في فرنسا، فحضور صاحب "الحياة الجديدة" لم يغب يوماً، منذ القرن التاسع عشر على الأقل، عن المشهد الثقافي وحتى الاجتماعي، باعتباره جزءاً أساسياً من ثقافة مشتركة ورثها البلد، مع إيطاليا والبلدان المجاورة، من العصر الوسيط الذي عاش فيه دانتي؛ حضورٌ يتمثّل بتسمية أماكن وشوارع وساحات باسمه، وكذلك مكتبات ومدارس، وبوجود تماثيله في بعض الساحات في مدن مثل باريس، إضافة إلى تدريس أعماله في المناهج التعليمية، وإعادة طباعتها بشكل مستمرّ، أو استعادة أعمال تستلهمها وتعلّق عليها، كما هو حال محاكاة بلزاك وتحيّته لـ"الكوميديا الإلهية".
بالتزامن مع الاحتفالات العديدة التي تقيمها إيطاليا هذا العام للاحتفاء بذكرى مرور سبعة قرون على رحيل شاعرها الأكبر، تحيي مؤسّساتٌ ودورُ نشرٍ وكذلك كتّابٌ، في فرنسا، المناسبة ذاتها، حيث لا يكاد يغيب اسم دانتي عن وسائل الإعلام والمنصّات الثقافية منذ مطلع العام.
من هذه الاستعدادات قيام دور نشر بإعادة طبع أعماله، كما فعلت دار "أكت سود" الباريسية عبر إصدارها طبعة جيبٍ، في ثلاث مجلّدات، من "الكوميديا الإلهية"، بغرض إتاحتها بسعرٍ مقبول للعدد الأكبر من المهتمّين.
كما شهدت الأيام والأسابيع الأخيرة صدور العديد من الأعمال التي تتناول الشاعر الإيطالي، مثل "دانتي: حيواتٌ جديدة" (منشورات "فايار") لإليزا بريلّي وجوليانو ميلاني، وترجمة كتاب "دانتي" لأليسّاندرو باربيرو، وهو واحدٌ من كتب السيرة المرجعية حول "أب اللغة الإيطالية".
من جانبها، تنظّم "جمعية دانتي أليغييري" في مدينة تولوز الفرنسية سلسلة من البرامج الاحتفائية بالمناسبة، تتضمّن قراءاتٍ من أعماله ونشراً لمقالات ونصوص تعلّق عليها، إضافة إلى معرضٍ يحمل عنوان "دانتي: 700 عام من الرسم"، وندواتٍ تتناول أثر الشاعر في الكِتابة الأوروبية والعلاقة بينه وبين الكتّاب الفرنسيين.
أكاديمياً، تنظّم "جامعة لورين" في مدينة نانسي مؤتمراً دولياً تحت عنوان "عولمةُ دانتي: أوروبا"، يتوقّف المشاركون فيه عند التلقّي الذي حازته اشتغالات الشاعر في مختلف الحقول الكتابية (مثل النقد، وإعادة الكتابة، والتقليد أو الشرح)، مركّزين بشكل أساسيّ على تيّار عُرف بـ"الدانتية" خلال القرن التاسع عشر، وكان له حضورٌ في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإنكلترا.
وفي حين تُنظّم "جمعية دانتي أليغييري" برنامجاً سينمائياً بدءاً من التاسع عشر من الشهر الجاري، انطلاقاً من ذكرى رحيل الشاعر الإيطالي، قامت بعض منصّات عرض الأفلام الفرنسية بتسليط الضوء على بعض الأشرطة التي تتناول الشاعر وسيرته، أو تستلهم أعماله، متيحةً إياها للجمهور من جديد، مثل "سرّ دانتي" (2014) للويس نيرو أو "الكوميديا الإلهية" (1991) لمانويل دي أوليفيرا.