قبل عام تقريباً، افتَتح "غاليري صفير زملر" في بيروت، معرضاً استعادياً للتشكيلي اللبناني الراحل عارف الريس (1928 - 2005)، في محاولة لتسليط الضوء على نصف قرن من اشتغالات الفنان، الذي عُرف بأنّه أحد ممثّلي التجريب والتنوّع في المشهد الفني اللبناني، خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
جمعت تلك الاستعادة، على صعيد التقنيات، توليفةً واسعة من أعماله، بدءاً من اللوحة الزيتية مروراً بالكولاج، وصولاً إلى الجداريات الضخمة وبعض من منحوتاته المختلفةُ خاماتُها.
يستعيد هذه الأيام فرعُ الغاليري بهامبورغ الألمانية أعمالاً للتشكيلي الراحل، في معرض تستمرّ فعالياتُه حتى 23 كانون الثاني/ يناير 2023. وصحيح أنّ هذه الاستعادة قد تبدو امتداداً للمعرض الأول، إلّا أنّ الفترة الزمنية التي تستهدفها ــ من 1960 حتى 1988 ــ تُعطي التظاهرة مجالاً أعمق للنظر النقدي في الأعمال وانتماءاتها المرحلية.
ينطلق المعرض من مجموعة أعمال خاصّة، وقّعها الفنّان أثناء إقامته في إيطاليا مطلع الستينيات وتأثّره بـ"مدرسة باريس"، وفيها كشَف عن محاولته التجريدية الأولى، واعتماده لها بوصفها انعطافة ــ ولو طفيفة ــ عن الفترة التي تسبقها أو شاعرية الخمسينيات المأخوذة بالمناخ الأفريقي حيث كان يُقيم. وإلى جانب الأعمال الفنية التي أنجزها الفنان في السيتينيات، يجمع المعرض أيضاً مقالات حول الأحداث السياسية التي وقعت في ذلك العقد مثل "حرب الاستقلال الجزائرية" (1954 - 1962).
تعكس الاختلافات اللونية بين المجموعات الخلفيةَ السياسية المؤثّرة في أعمال الفنان
أمّا سلسلة "البساط الطائر"، فهي مشمولة بهذا المعرض بوصفها تنتمي إلى المرحلة الأميركية في حياته (1963 - 1967)؛ خمس سنوات حضَر فيها الأخضر والأرجواني كخلفية معبّرة عن مناظر الريف الأميركي التي احتملتها لوحتُه. قبل أن ننتقل إلى المرحلة اللبنانية بعد ذلك، والتي بدأت من أوائل السبعينيات، أو قبل ذلك بقليل، حيث الاشتباك مع الواقع السياسي العربي واللبناني المحلّي أكثر جلاءً وحساسية في أعمال مثل: "سلسلة الدم والحرية" (1967) المرتبط بـ"نكسة حزيران"، و"زمن حديث وعالم ثالث" (1974)، و"الهالة" (1978) إذ بدأ طغيان الأحمر يعكس انحيازاتِه أثناء "الحرب الباردة" إلى المعسكر الاشتراكي.
عام 1975 سيزور التشكيليّ اللبناني الجزائر، ويُنتج سلسلة من الملصقات تتناول الحرب الأهلية في بلاده، والتي كانت قد اشتعلت في ذلك العام، ونُشرت هذه الملصقات في كتاب "الطريق إلى السلام" إلّا أنّها مُنعت من التداول داخل وطنه، وهو ما يوفّره المعرض القائم من خلال نسخة مرمّمة عن تلك الأعمال، بالإضافة إلى ملصقاته التي ساهم بها في "المعرض الدولي للتضامن مع فلسطين".
أمّا لوحات الثمانينيات، العقد الثالث الذي يشتغل عليه المعرض، فتعكسُ فيها المساحاتُ الواسعةُ المغطّاةُ بغلالة من الأصفر انتقالَ الريس للعيش في السعودية والعمل في "متحف جدّة المفتوح"، كما راح يستلف من معالم الصحراء تفاصيل منحوتاته الضخمة أيضاً، فاتحاً التجريد على أبعادٍ صوفية جديدة.