طُرُق العدالة

10 يناير 2025
من احتفالات السوريين بعد إسقاط نظام الأسد، 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يوضح نويل كالهون في كتابه "معضلات العدالة الانتقالية" ثلاثة خيارات للحكم الجديد تجاه مجرمي العهد البائد: القصاص العنيف، الصفح والتسامح، أو اتباع سياسات العدالة الانتقالية، معتبراً الأخيرة الأفضل لتحقيق التوازن بين العدالة والإنسانية.

- يشير كالهون إلى مخاطر الصفح عن الماضي، مثل تكرار أساليب القهر، مستشهداً بالضباط الفرنسيين الذين تعاونوا مع النازيين ثم ارتكبوا جرائم في الجزائر.

- يؤكد النص على أهمية العدالة الانتقالية، محذراً من إهمال حقوق الإنسان والانتقام العاجل الذي يضر بالمجتمع ويجعله عارياً أمام نفسه.

يُفرّق نويل كالهون، في كتابه "معضلات العدالة الانتقالية" (الشبكة العربية للأبحاث، 2014) بين الخيارات الممكنة للحُكم الجديد في أيّ بلد، تجاه الأفراد الذين كانوا يشكّلون قوّات، أو آلات قمع، أو مجرمي العهد البائد، ويجد، في التجربة البشرية، ثلاثة طُرُق مورست في المجتمعات البشرية كافّة، منذ العصور القديمة إلى عصرنا الراهن؛ وهي: القصاص العنيف، أو الصفح عن جرائم الماضي والتسامح، أو اتباع سياسات الحقّ والعدالة.

تختار الجماعات والأفراد واحدة من بين هذه الطرق الثلاث لممارسة انتصارها على الأرض، ومحاسبة من يُطلَق عليهم اليوم في سورية اسم "الفلول". وقد تبدو الطريقة الأُولى أكثرها "سهولة" وسرعة؛ إذ يعمد المظلومون إلى الثأر والانتقام من ظالميهم، بعد أن ينتصروا عليهم في الحرب، أو في السلم، ومن بينها ما نفّذته قبائل التوتسي ضدّ قبائل الهوتو في رواندا، حين قتلوا ما يقارب مليون شخص انتقاماً.

وقد يختار الحُكم الجديد أن يصفح عن أخطاء الماضي، ويطلق السياسيون في العربية جملة "عفا الله عمّا مضى". وفي هذه الحالة يمكن لأعضاء شاركوا في الحكومة السابقة، أن يكونوا جزءاً من حكومات العهد الجديد. يُعدّد كالهون الأخطار الناجمة عن ذلك، ومنها أن يكون لدى كثيرين من بينهم الاستعداد النفسي والفكري ذاته لممارسة أساليب القهر، والمثال هو عن الضبّاط الفرنسيّين الذين كانوا يتعاونون مع النازيّين في الحرب العالمية الثانية، ثمّ ارتكبوا جرائم بشعة في الجزائر أثناء ثورتها.

غير أنّ أفضل الطُّرُق، بحسب التجربة والممارسة في طيف واسع من الدول التي حدثت فيها انقلابات كبيرة بين حُكمَين، وعالَمَين، هو طريق العدالة الانتقالية.

تحتاج العدالة للقانون العادل بقدر حاجتها للروح الإنسانية

تحتاج العدالة للقانون العادل، بقدر حاجتها للروح الإنسانية القادرة على تقبُّل الانتظار إلى زمن تحقيق العدالة، ففي زمن الانتصار، يغلب على المقهورين، والذين عانوا من السجن والاعتقال، والتعذيب، وخسارة الأحبّة، الرغبة المستعجلة في الانتقام، وروح التشفّي في الانتقام العاجل.

حتى اليوم تبدو مسألة حقوق الإنسان الموضوع الأكثر إهمالاً، ولا مبالاة؛ فالمعاناة الطويلة من النظام السابق، في موضوع الحقوق الشخصية والحرّيات العامّة، أدّى إلى اعتبارها ثانوية في سياق التخلُّص من النظام، ومن أعوانه المجرمين بحقّ البشر، من قبل معظم الأطراف المشاركة في صناعة المستقبل السوري. واللافت أنّ ارتكاب الانتهاكات الصغيرة أو الكبيرة لهذه الحقوق تجاه أولئك الذين كانوا بالأمس ينتهكونها، لا يلقى الكثير من الرفض أو الاحتجاج، بينما يغيب تماماً الحديث عن العدالة الانتقالية، وطُرُق تنفيذها في الواقع. 

والأضرار التي تلحق بنا من جرّاء التساهل إزاء حقوق الإنسان بذريعة أنّ هذا الشخص (وسوف يُجرَّد من صفة الإنسان كي يسهل على المنتقمين الثأر منه، واعتباره حيوانا، وهذه يفسّر لماذا يعمد بعض رجال أمن السُّلطة الجديدة إلى إجبار من يقبضون عليهم من شبّيحة نظام الأسد على النباح أو النهيق) كان مجرماً، أو سفّاحاً، أو مارس القهر والتعذيب، لا يؤدّي إلى إيذائه وحده، بل إلى إيذائنا جميعاً، لأنّه يجعلنا عراةً أمام أنفسنا، مكشوفين كمنتقمين فقط، لا طلّاب عدالة، ومجتمعاً يحترم القانون. 


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون