في العام الماضي، نظّم "المركز الثقافي أحمد بوكماخ" في طنجة ندوتين علميتين تاريخيتين خلال موسمه الثقافي؛ الأولى حول تاريخ طنجة تحت الاحتلال البرتغالي والإنكليزي، والثانية عن تاريخ المدينة من التحرير في عهد السلطان إسماعيل إلى الحماية.
منذ أيام، أصدر المركز نتائج أعمال المؤتمر الذي شارك فيه تسعة وثلاثون باحثاً في كتابين تناولا محاور أساسية، منها الإرهاصات العامة والأسباب المباشرة وراء الاحتلالين المذكورين، والوقائع العسكرية والسياسية وسيرورة عمليات الاحتلال، وعلاقة المغاربة بالمحتليْن في مجالات التجارة والطبابة والفلاحة والصناعة والحرف، والتطوّر العمراني المديني للمدينة وتحوّلات منشآتها العسكرية وتحصيناتها الدفاعية زمن الاحتلالين.
كما ناقش الباحثون الحركة التجارية بين طنجة وموانئ البرتغال وإسبانيا وإنكلترا وغيرها من موانئ البحر الأبيض المتوسط، وموقع المدينة في التقاطعات السياسية للدول المتصارعة في غرب المتوسط، وهي القوى الأوروبية الرئيسية آنذاك والدولة العثمانية، وحركة الجهاد المغربي لاسترداد طنجة من يد البرتغاليين والإنكليز خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.
هذه الموضوعات وغيرها تضمّنها كتاب "طنجة تحت الاحتلالين البرتغالي والإنكليزي 1471 – 1684"، الذي أشرف على تنسيقه وإعداده الباحثون امحمد جبرون ورشيد العقاقي وعبد السلام الجعماطي ومحمد بكور، ويؤرّخ لفترة لا تحظى بدراسات كثيرة في الأرشيف المغربي والتي تنتهي بعدم قدرة الإنكليز على تحمّل كلفة المقاومة الشعبية التي تصاعدت في المدينة والتي انتهت بنسف مينائهم وتحصيناتهم الدفاعية والجلاء عنها.
أما الكتاب الثاني "طنجة من التحرير في العهد العلوي: من التحرير إلى الحماية 1684 – 1912)، فيبدأ مع عودة المدينة إلى المغرب الذي كان يحكمه السلطان المولى إسماعيل بن الشريف (1645–1727)، الذي قام بإعمار المدينة واستعادة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة للمغرب المتوسط، حيث شهدت ازدهاراً عمرانياً في القرن الثامن عشر مع تشييد الأسوار والحصون والأبواب والمساجد والقصور والأسواق.
واستمر نمو المدينة في عهد السطان محمد الثالث بن عبد الله (1710 – 1790)، حيث منح تجارها امتيازات ضريبية، وأصبحت عاصمة لإيالة جبالة، ومقراً للخلافة السلطانية التي يمثلها نائب السلطان، الذي تمتّع بنفوذ وسلطة كبيرين من خلال مسؤوليته عن عقد الاتفاقيات التجارية والعسكرية. ثم ينتقل الكتاب إلى الصراع الذي دار بين ألمانيا وفرنسا وإسبانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والذي انتهى بتقاسم المغرب بين الإسبان الذين احتلوا منطقة الريف في الشمال والصحراء في الجنوب، بينما استعمر الفرنسيون بقية البلاد عام 1912، وخضعت طنجة للحماية الدولية تحت إدارة مشتركة لكل من المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا والسويد والولايات المتحدة.