- تناقش مفهوم الكتابة الجديدة، مؤكدة على أهمية الابتكار وتقديم زوايا نظر جديدة بدلاً من الاعتماد فقط على المواضيع الجديدة لجذب القراء.
- تتحدث عن تجربتها في النشر والكتابة، مع التركيز على أهمية تقديم أعمال ذات قيمة وتحديات التسويق، وتشدد على دور الترجمة في الوصول لجمهور أوسع.
"يُمكن لكاتب مُتمكّن أن يعتمد شكل كتابة تقليدياً، ويُقدّم زاوية نظر جديدة، وهذا في نظري كتابة جديدة"، تقول الكاتبة اللبنانية عزّة طويل لـ"العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوان إبادةٍ على غزة؟
- تشغلني عشرات الهواجس وليس هاجساً واحداً. الأطفال والأمّهات والآباء الفلسطينيّون، وقدرتي المحدودة على المساعدة، ورياء هذا العالَم بما في ذلك المُنظّمات، والوضع في الجنوب وفي لبنان ككلّ وطبعاً الخوف على أهلي، وشعورٌ بالحيرة والتردّد وحتى الذَّنْب تجاه أي دعايةٍ لعملي الأدبي في ظلّ الوضع بغزّة، وهُناك أيضاً هاجسٌ لا يُفارقني: كيف يُمكن لبعض الأطراف ألّا ترى الإبادة التي تحدُث في غزّة؟
■ كيف تفهمين الكتابة الجديدة؟
- الكتابة الجديدة هي الكتابة التي تخترق المألوف وتتمكّن من الابتكار. لا أجد أنّ الأمر مرتبطٌ بالتكنولوجيا بالضرورة، إذ يُمكننا أن نحكي عن الموت مثلاً كما فعلتُ في روايتي "لا شيء أسود بالكامل" مُعتمدين طريقةً مُغايرة لا تكون وسائل التواصل الاجتماعي ولا الذكاء الاصطناعي مثلاً جزءاً أساسياً منها. كما أنّ الأمر باعتقادي لا يقتصر على شكل الكتابة ولا على اعتماد الحبكة التقليدية من عدمه. يُمكن لكاتبٍ مُتمكّنٍ أن يعتمد شكل الكتابة التقليدي، ويُقدّم في الوقت نفسه زاوية نظرٍ جديدة، وهذا في نظري كتابة جديدة. ما يفعله الكثير من الكتّاب ويُبعدهم عن الكتابة الجديدة هو استظهار معلوماتهم العامة أو قراءاتهم وإضافتها إلى السرد، أو مُعالجة المواضيع نفسها من دون تقديم جديد. يُمكن للمواضيع الجديدة أن تُشكِّل جزءاً من الكتابة الجديدة أيضاً، لكنني لا أعتقد أنه يكفي أن نتناول موضوع التحوُّل الجنسي مثلاً ليُشكّل عملُنا كتابةً جديدة.
لا يكفي أن نتناول موضوعاً جديداً حتى تكون كتابتنا كذلك
■ هل تشعرين نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
- أكثر ما يجمعني مع أترابي من الكتّاب هو افتقادُنا إلى منظومة مُتكاملة تُريحنا من الجهود الفردية التي نضطّر إلى المبادرة بها. صديقي الكاتب يُحضّر أغلفةً بديلة وتصميماتٍ يعمل عليها هو ليعرّف بكتابه. صديقتي الكاتبة تضطرّ إلى متابعة كلّ الكُتّاب والكتابة لهم وعنهم كي تتمكّن من إيجاد مكان لها في الساحة الأدبية العربية. لستُ ضدّ الجهود الفردية بمنطقها الواسع لكنّني ضدّ أن تتحوّل الساحة إلى "ساحة علاقاتٍ عامة" أكثر منها ساحةً أدبية وضدّ أن يُشغل الكاتب عن إبداعه لاضطراره إلى التسويق لأعماله مثلاً. في النهاية الكتابة الجيّدة تجد طريقها لكن الأمر ليس بهذه السهولة.
أمّا من الناحية الأدبية البحتة، فلا أعتقد أنني أنتمي إلى جيلٍ أدبي مُحدّد. أنتمي بطبيعة الحال إلى جيلٍ عُمريّ هو جيل ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، جيل الحرّية والانفتاح اللذين اكتشفنا زيفَهما، أو على الأقلّ كمَّ المُغالطات الكبيرة حولهما. جيل اعتقَدَ في أوّل شبابه أنّ معاناة المرأة هي أمرٌ مرّ عليه الزمن لنكتشف من ثمّ أننا مُضطرّات إلى المواجهة مرّاتٍ ومرّات، أو أن الطائفية مفهومٌ لن يتمكّن منّا لنكتشف أيضاً أن تفكير الأجيال السابقة، بغالبيتها طبعاً ودون تعميمٍ أعمى، طغى وانتصر على أحلامنا بل تمدّد إلى العالَم بأسره.
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
في بداية العمل على رسالة الدكتوراه، يخبرك الأكاديميّون عن "حائط المعرفة"، وينبّهونك إلى أنك لا تستطيع أن تنسف الحائط، بل عليك أن تضع حجارتك فوقه، طوبةً طوبة. هذا على المستوى العِلمي طبعاً، لكنّ حائط المعرفة فكرةٌ يُمكن تطبيقها على شتّى المجالات، وإن لم نأخذها دائماً بحرفيّتها، والمعرفة تأتي عبر الأجيال السابقة، أدبياً وحياتياً وسياسياً إلخ. على المستوى الشخصي، يُمتعني إيجاد طريقتي الخاصة للإضافة إلى "الحوائط" التي أهتمُّ بها: لا أسعى إلى نسفها أبداً، بل أستفيد من صلابتها أو أبحث في أسباب تراخيها، وقد أضيف "طوبتي" دون أن أفكّر كثيراً بالمكان المناسب لها، لكنّها تأخذ مكانها دائماً. في الكتابة، استفدتُ كثيراً من القراءات التي استمتعتُ بها، وأدين للأجيال السابقة بمتعةٍ هائلةٍ وبمعرفةٍ لم أكُن لأحلُم بها لولا كتاباتُهم. وفي الحياة، جلّ ما يعيشه كلٌّ منّا اليوم هو نتيجة حتمية لما فعلته الأجيال السابقة، وهنا مجالٌ واسعٌ للكثير من الحبّ أحياناً، والكثير من الغضب أحياناً أُخرى، والكثير من التفكير والنقاش والتغيير دائماً.
نفتقدُ منظومة العمل الجماعي التي تُريحنا من الجهود الفرديّة
■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
- كتابي الأدبي الأول صدر للتوّ. ولي مساهمةٌ في كتابٍ أكاديمي صدر بالإنكليزية في نيويورك عام 2017، تحت عنوان "لبنان: قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية". كنتُ أكتب منذ صِغري، لكنّني لم أجمع كتاباتي يوماً. كان الهدف الدائم هو التفريغ، تفريغ الشحنة العاطفية تحديداً، وغالباً ما كان يأتي هذا عن طريق قصائد أو مقاطع شعرية قصيرة. ثم عملت في النشر فصارت فكرة نشر كتابٍ لي مهيبة. كيف أنشر عملاً أوقّعه باسمي إذا لم أكن متأكّدةً بنسبة ألفٍ بالمئة من أنه سيقدّم إضافةً ما؟ تناسيتُ موضوع النشر لفترة وأجّلته لأسبابٍ عديدة أُخرى، لكن ذلك لا يعني أننّي لم أكتب، فحين يكون هناك عملٌ بداخلك سيجد طريقَه ليخرج. وهكذا بعد تأجيلٍ طويل، اتصلتُ بمديرة النشر في "دار هاشيت أنطوان/ نوفل"، وكانت المرّة الأُولى التي نتحدّث فيها هاتفياً وسألتُها إن كان بإمكانها إعطائي رأيها بروايتي الأُولى. أردتُ ألّا تكون لصداقاتي في مجال النشر أيّ علاقةٍ أو تأثيرٍ على نشر كتابي الأول، وانتظرتُ أن تتمكّن من القراءة لإعلامي برأيها المهني. وبالفعل، بعد أشهر قليلة وبعد انتهاء زحمة "معرض الكتاب" في بيروت، وقّعت عقد النشر مع الدار، واليوم أصبحت الرواية في الأسواق، وقد صدرت ضمن مجموعةٍ جديدةٍ أطلقتها الدار بتسمية "النوفيلا".
■ أين تنشرين؟
- نشرت مقالاتي في "صحيفة المدن الإلكترونية"، و"رصيف 22"، و"النهار العربي"، كما أنشر أيضاً على مدوّنتي الإلكترونية azzatawil.com.
ضدّ أن يُشغَل الكاتب عن إبداعه لاضطراره لتسويق أعماله
■ كيف تقرئين وكيف تصفين علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- حين تركتُ لبنان إثر انفجار "مرفأ بيروت" في الرابع من آب/ أغسطس 2020، وبعد عامٍ تقريباً، تركتُ أيضاً عملي كمديرة عامّة لـ"شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" المُختصّة بما يُسمَّى الكتب التجارية، أي الكتب التي تُباع في المكتبات. وأكثر ما أفرحني وقتها رغم الانفصال عن بلدي وأهلي والتغيُّرات الكثيرة التي طرأت على حياتي هو استعادتي لقدرتي على القراءة للمتعة فقط. كنتُ قد قضيت عقدين من الزمن تقريباً أقرأ يومياً، لكنني لم أتمكّن سوى مراتٍ قليلةٍ من القراءة دون التفكير في عملي كناشرة، فكلُّ قراءةٍ كانت في نظري مشروع نشرٍ، وساعات الشغل كانت محفوفةً بالكتب. ثم انتقلت إلى مرحلة القراءة من أجلي أنا وحدي، واسترجعتُ عفويتي التامّة بعد انقطاع. اليوم، أشعرُ بأن كلّاً من عفويّتي وعشوائيتي تحت التهديد من جديد، ذلك أنني أودُّ قراءة أعمال الكثير من الأصدقاء الكُتّاب، كما أودُّ اكتشاف كُتّاب جدد من كافة أنحاء العالم، وقراءة كتب لم تتسنَّ لي قراءتُها بعد، لكن النهار محدودٌ بأربعٍ وعشرين ساعة يتخلّلها عملٌ ومسؤولياتٌ وكتابةٌ ونومٌ وحياة، وهذا يشعرني بضغطٍ أخاف أن يخطف مني قدرتي على الاستمتاع .
■ هل تقرئين بلغة أخرى إلى جانب العربية؟
- نعم أقرأ كثيراً بالإنكليزية وبالفرنسية إضافةً إلى العربية، وأحاول دائماً قراءة العمل بلُغته الأساسية إن كنت أجيدها.
■ كيف تنظرين إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرْجَم أعمالُكِ؟
- طبعاً لديّ رغبة في أن تترجَم أعمالي وأعمل على ذلك بالفعل. بدأتُ بترجمة "لا شيء أسود بالكامل" إلى الإنكليزية. أُدرك تماماً أنّ ثمّة نصوصاً تحتاج إلى حساسية عالية لنقلها إلى العربية والمترجمون أصحاب هذه الحساسية ليسوا كُثُراً كما للمرء أن يتمنّى. في رأيي، الترجمة ضرورةٌ للكاتب بشكلٍ عام وإقامتي في كندا تدفعني أكثر إلى الاهتمام بموضوع الترجمة.
■ ماذا تكتبين الآن وما هو إصدارك القادم؟
- لا أعرف بعد ما هو إصداري القادم، لكنّني مُتأكّدة من أنه سيكون رواية بدأَت فكرتُها تتكوّن في ذهني، علماً أنني لا أتوقّع أن أُتمّ الكتابة في وقتٍ قريب.
بطاقة
كاتبة لبنانيّة من مواليد عام 1982، مقيمة في كندا. حائزة دكتوراه في إدارة الأعمال من "جامعة غرونوبل" في فرنسا. تعمل في مجال النشر، حيث تولّت إصدار وتوزيع مؤلّفاتٍ لكتّابٍ عالميين. لها العديد من المقالات الأدبية والاجتماعية في مواقع وصحف عربيّة. "لا شيء أسود بالكامل" هي روايتها الأُولى الصادرة حديثاً عن "دار نوفل".