"شاهد" لخالد البيه.. نعرف شهداء غزّة وسنردد الأسماء

09 مايو 2024
من العرض (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- معرض "شاهد" لخالد البيه يقدم تجربة تفاعلية تنقل الزوار إلى غزة، مستخدمًا مرآة ضخمة لتحويلهم من مشاهدين إلى شهود على الأحداث المؤلمة، مؤكدًا على أهمية الشعور بالغضب تجاه الظلم.
- يسلط الضوء على الأحداث المأساوية في غزة من خلال أعمال فنية تجبر المشاهدين على مواجهة الواقع المروع والتفكير في معنى الإنسانية والتعاطف، مع التركيز على الهجمات على المستشفيات ومقتل الأبرياء.
- يستخدم البيه المعرض كمنصة للتعبير عن تضامنه مع غزة والصراعات المتجاهلة حول العالم، داعيًا للاعتراف بكل فرد قُتل كذات لها حق في الحياة والوجود، من خلال تقديم أسماء الشهداء وتسجيلات صوتية.

قبل دخول معرض "شاهد" للفنان ورسام الكاريكاتير السوداني خالد البيه، ثمّة مرآة ضخمة يطالع الزائرُ فيها نفسه، قبل أن يزيح ستارةً جانبية فيجدَ نفسه في غزّة المُعتِمة والتي تنتزع وجودها النوراني من أرواح صاعدة في المرايا، وأخرى تتشبّث بالأرض.

الحقيقة، إذاً، أنَّ المرآة التي تبدو من بعيدٍ منفصلة عن العرض التفاعلي الرقمي والصوتي في الداخل، والمضاءة جيداً بأضواء متحف "الفن العربي الحديث" في الدوحة، حيث افتتح المعرض مساء أمس الاثنين، السادس من أيار/ مايو الجاري، هي اللحظة المفتاحية، حين يقف الشخص على لافتةٍ أرضيّة مكتوب عليها "هنا يقف الشاهد".

لا يريد خالد البيه في معرضه المستمرّ حتى الثاني عشر من آب/ أغسطس المُقبل، مشاهدين، بل شهوداً. وفي عبارات مؤثّرة أمام جمهور المتحف قال إنَّ "فيض الصور والفيديوهات يجب ألّا يجعلنا بليدي المشاعر، وإنني أريدُ الإسهام في إرجاع حق الناس هؤلاء في أن نغضب، لا أن نكتفي بأخذ جرعتنا اليومية من الكآبة".

أعمال تدعو إلى اختبار تجربة العيش كشهود على الإبادة

تناول الفنان السوداني الحساسية التي ينبغي أن تنهض أمام الضغط الهائل من التكرار المُفضي إلى العادية، قائلاً إنَّ ممارسات مُفزعة تُطيح بالمنطق والأخلاق وكل ميراث الحضارات، ولكنّها كانت تواصل فعلها، وتواصل إطاحاتها ثم يعتاد العالم، من أوّل مذبحة في مستشفى إلى تدمير ومذابح في المستشفيات كلّها. من دخول شهر رمضان مع تفكير رغبويٍّ بتوقّف الموت إلى الخروج منه بسيلٍ من الدماء كأنّه سيل إلكتروني. من احتمال إبادةِ رفح إلى أن تبدأ الإبادة، صار من المخيف تذكير العالَم بأنَّ الدماء يجب ألا تكون عادية.

بهذه المشاعر التي يريد الفنان أن تكون لحظة اتخاذ موقف، جاء المعرض ليضعنا في تجربة العيش بوصفنا شهوداً وكانت تجربة بسيطة وعميقة في آن. ففي الحجرة المستطيلة والرئيسية نقف أمام أربع رسمات رقمية عالقة في الهواء، والمرايا تجعل الجميع محيطين فيها.

الفنان السوداني خالد التيه

أولاها "روح الروح"، ويظهر فيها خالد نبهان (أبو ضياء) وحفيدته ريم البالغة من العمر ثلاث سنوات، والتي استُشهدت في  تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مع أخيها طارق البالغ من العمر خمس سنوات، في غارة جويّة دمّرت منزلهما جنوبي غزّة. منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، أفيد أنَّ نبهان كان متطوِّعاً في مستشفى لتقديم المساعدة للجرحى. وقد رأيناه في فيديوهات لاحقة يؤانس الأطفال ويوزّع عليهم الهدايا، واستطاعت قسماته العطوفة اكتساب ملايين المحبين حول العالم.

والثانية "إسعاف" وتشير إلى غزو الاحتلال "مستشفى الشفاء"، وتصوّر عاملَ إغاثةٍ مقهوراً يحمل طفلاً. والثالثة "الخدّج" ومن خلالها يصوّر الفنان غزو الاحتلال "مستشفى الشفاء" في تشرين الثاني/  نوفمبر 2023، حيث حاصرت "إسرائيل" المستشفى وقطعت عنه الوقود، مما أدى إلى استشهاد العديد من المرضى بمن فيهم الأطفال الخدج.

"التحدي" هي رسمة يظهر فيها حمزة خميس أبو حليمة، ابن حي الشجاعية، شرق مدينة غزّة، وقد تعرّض لتعذيب شديد، قُيدت فيه يداه وجُرّد من ملابسه وأصيبت ساقه، واستُجوب لأربع ساعات قبل إطلاق سراحه. وقبيل ساعاتٍ قليلةٍ من اعتقاله في 10 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قتلت قوات الاحتلال والدَه، وأختَ زوجتهِ وطفليها.

في الأثناء فإنَّ الصوت المرافق لهذه الوقفة أمام أجساد ووجوه الميت منها والحيّ حتى الآن، هو صوت تتغيّر هويته، وليس صوتاً مرافقاً للعرض التركيبي عند تصميمه فحسب.

هنا استوديو صغير أشبه بكابينة المصعد الكهربائي، فيه لفافةٌ ورقيّة طويلة تنسحب من الأسفل إلى الأعلى لتُظهر أمام المشاهد قائمةً بأسماء الشهداء وأعمارهم، وعليه أن يضغط زراً أحمر ليبدأ تسجيل صوته، وهو يذكر على الأقل خمسة منها ويتيح لغيره الفرصة، وفوراً يبدأ الصوت بالتردّد في غرفة العرض السابقة.

جُمعت هذه الأسماء في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى 26 من الشهر ذاته، وتحتوي اللفافة على 6747 اسماً ثبتت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد أصحابها، قبل أن يتضاعف العدد ستة أضعافه.

هذه أسماء من أربعة مقاطع كما ترد في البطاقة الشخصية، فهي ليست أسماء للمناداة بين من يعرفون بعضهم، بل مسؤولية الشخص في تكريم ذكرى أصحابها، وتقديمهم إلى العالَم كذوات انُتزع منها حقُّ الحياة؛ وهو تاج الحقوق المنصوص عليها في شرعة ومواثيق حقوق الإنسان. ولذا ينبغي أن تُذكر كاملةً حتى يكون لكلِّ ذات حقّها في الوجود المقدس.

نسمع في القاعة أسماء: عماد عبد المنعم نمر وادي (25 سنة)، نسمة حسن سليمان البري (25 سنة) حنين باسم محمد البسيوني (24 سنة) فراس سليمان شحادة فتيحة (25 سنة)، ثم يسحب الزائر القائمة المطوية للأسفل، ليأتي غيره ويقرأ أسماء جديدة.

صار من المخيف تذكير العالَم بأنَّ الدماء يجب ألا تكون عادية

وخالد البيه معروفٌ بنشاطه الحقوقي مع شهرته كرسام كاريكاتير وانخراطه في نقد الحال السياسية في بلده السودان، ولكن أيضاً في قضايا أخرى تمسّ العنصرية، وحرية التعبير والانحياز لخيارات الشعوب.

وفي بيان معرضه قال إنه لدى سعيه المتواصل للبحث عن أخبار السودان عبر الإنترنيت، وجد نفسه، مِثلَ الكثيرين حول العالَم، شاهداً على توثيق الإبادة الجماعية في غزّة التي لا لبس فيها، ومع ذلك لا تزال بعض وسائل الإعلام الغربية تتجاهل هذه المواد.

وبعد العرض كانت منصة الحديث أمام الجمهور تعرض مقاطع فيديو من لجة البحر، جمعها الفنان السوداني، وتتعلّق بمآسي المهاجرين غير النظاميّين عبر البحر المتوسط، وهم هاربون بأجسادهم من جحيم الحروب وأنظمة الاستبداد.

ومن خلال هذا العمل التضامني مع غزّة، قال البيه إنّه يقف أيضاً متضامناً مع السودان ومع كل الصراعات المُتجاهلة في البلدان الأخرى في جنوب الكرة الأرضية، مختتماً بالقول "أعتقد اعتقاداً راسخاً أنّه فقط عندما يرى العالَم الإبادة الجماعية الموثقة جيداً في غزّة، فإنه سيرانا جميعاً".

المساهمون