سيرة لوحة مسمارية منهوبة

03 أكتوبر 2020
اللوحة السومرية (المتحف البريطاني)
+ الخط -

في الثامن عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي، أصدرت شرطة لندن أمراً لـ "المتحف البريطاني" بإعادة لوحة سومرية سُرقت من معبد في العراق، بعد تبليغ المتحف عن مخطط لبيع القطعة في مزاد علني كان من المقرّر إقامته في أيار/ مايو سنة 2019.

وتمّ اكتشاف اللوحة التي تعود إلى قرابة ألفين وأربعمئة عام قبل الميلاد، أثناء تداول ألواح وأوانٍ وأشغال معدنية وأختام وتماثيل بين العديد من المنحوتات في سوق الفن، حيث شوهدت للمرة الأولى. ويُعتقد أنها نُهبت من الجنوب العراقي بين التسعينيات وفترة الاحتلال الأميركي لبغداد.

يشير بيان "المتحف البريطاني" إلى أنه لا يوجد سوى ما يقارب خمسين نموذجاً معروفاً من هذه القطعة، ما يجعلها نادرة، وكانت شركة "تايم لاين أكازيون" قد عرضتها للبيع العام الماضي بوصفها لوحاً أكادياً من غرب آسيا، أتى من مجموعة خاصة تشكّلت في التسعينيات.

تزوير سيرة اللوحة السومرية بدا مقصوداً في محاولة لإخفاء موطنها الحقيقي، حيث تبيّن مباشرة بعد فحصها أنها جزء من لوحة جدارية نذرية تنتمي إلى فترة أوائل الأسرة الثالثة في جنوب العراق، وهي منحوتة من الحجر الجيري المحلي، وتصوّر شخصية ذات مكانةٍ جالسةً في زيّها السومري بتنّورة طويلة، تُعرف باسم الكاوناك، محاكة وفق نمط معقّد.

عُرضت القطعة للبيع في مزاد علني قبل التمكّن من استعادتها

ربما تكون هذه الشخصية رئيس كهنة أو حاكماً، بحسب سانت جون سيمبسون كبير أمناء المتحف البريطاني، حيث يحمل كأساً احتفالية في يده اليمنى المرتفعة، بينما تمسك يسراه سعفة نخيل موضوعة على حجره، ويجلس على كرسي مزيّن، وتتشابه مع قطع تمّ العثور عليها في اكتشافات سابقة في موقع جيرسو الأثري، الذي يعدّ واحداً من أقدم مدن العالم، ويقع على بعد 25 كلم شمال شرق مدينة لكش في محافظة ذي قار العراقية، ويُعرف اليوم باسم تيلوه.

مثل آلاف القطع التي نُهبت من العراق خلال العقود الماضية، لم يتم توثيق هذه اللوحة على أنها مسروقة؛ فهي غبر مدرجة في أية قاعدة بيانات، وحين أُبلغ مالكها بذلك، والذي يُرجّح أنه اشتراها من معرض فنون في ألمانيا قبل بضع سنوات، قرّر على الفور التخلّي عن مطالبته بملكيتها، وأبدى رغبته في عودتها إلى بلدها.
رغم أن ما حدث كانت نتيجته إيجابية من خلال عودة واحدة من القطع الأثرية المجهولة في العراق، إلا أنه يثير التساؤل حول التذرّع الذي تمارسه مؤسسات غربية في عدم توثيق ما تتداوله من آثار في المزادات العلنية، بينما بيّن الفحص الأولي كافة المعلومات التفصيلية التي غابت عن بال المتجرين بها طوال هذه السنين.

ملاحظة ثانية تبرز في تخلّي "المالك" عن كنزه الأثري بسهولة، ما يعني أن ملاحقة الجهات المعنية في بريطانيا، وفي الغرب عموماً، تؤتي أكلها إذا ما قامت بواجبها، دون إغفال مسألة أخرى في غاية الأهمية تتعلّق بتعديل التشريعات الغربية التي لا تزال تتيح الاحتفاظ بآثار نُهبت خلال الفترة الاستعمارية، أو تلك التي يدور حولها نزاع بين دول المنشأ حول ملكيتها.

يُذكر أن المتحف البريطاني، الذي سيعرض القطعة ريثما يتم إرجاعها، بعد أن حصل على موافقة من الحكومة العراقية، يتعرّض لانتقادات كثيرة حول عدم إعادة القطع الأثرية المسروقة إلى بلدان من العالم الثالث، من بينها بلدانٌ أفريقية طالب عددٌ منها في السنوات الأخيرة بإعادة آثاره المنهوبة.

المساهمون