"شهدت العاصمة أمس مشهداً قلّما يشهد مثله أهلُ المشرق، ولم يخطر على قلب بشر منذ أعوام قلائل، وهو أن تجري مركبات كبيرة تقلُّ مئات الناس لا بقوّة الخيل ولا بقوة البخار، بل بقوّة الطبيعة التي تسبّب البروق. هذا هو الترامواي الكهربائي".
بهذه الكلمات صدّرت صحيفة "المُقطّم" القاهرية الصفحة الأولى منها، في اليوم التالي لتسيير أوّل "ترام" في مصر، يومَ الثاني عشر من آب/ أغسطس 1896. الاختراع الذي اعتُبر نقلةً حضارية، يصل بين المدينة ومستقبلها، ويُسهّل حركة الناس فيها.
وسرعان ما غيّر "الترام" وجه الحياة، إذ نشأت أحياء بعيدة مثل مصر الجديدة ومدينة نصر، وغيرهما، إلا أنّها بفضل الاختراع الجديد صارت على صلة مباشرة بقلب المدينة.
"سلام ترام: أرشفة المسارات المفقودة لترام القاهرة" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن مجموعة "سرد ــ أرشيف شبرا"، بالتعاون مع دار "هُنّ للنشر والتوزيع"، للباحِثَين: مينا إبراهيم وتامر نادي. وهو المطبوعة الأولى للمجموعة التي تُعرّف نفسها بأنها "مركز مجتمعي محلّي مكرّس لإنتاج أرشيفات وأبحاث شعبية للأحياء داخل وخارج العاصمة المصرية".
ويأتي اهتمام الكتاب بأرشفة خطوط الترام لسببَين: الأوّل، أنّ إنشاء خطوط الترام في القاهرة وإزالتها مرتبط بجوانب تطوير المدينة وتحديثها، حيثُ أنّ الاستثمارات الأجنبية وسياسات الإحلال الطبقي، إلى جانب الوعد بإنجاز بنى تحتية أكثر "مدنية"، شكّل بداية خطوط الترام ونهايتها.
كما تنعكس في وسيلة النقل هذه جملة من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر أثناء حقبتَي الاستعمار وما بعده، والأسلوب المتناقض للحكومات المتعاقبة في الاحتفاء بعربات الترام، ثم تشويه سمعتها لاحقاً لتحقيق أغراضها.
أمّا السبب الثاني، فهو أنّ أهمّية خطوط الترام تقع في إخبارها عن الحركة اليومية للناس والعلاقات بين مختلف الأحياء، فمنذ تأسيسها عام 1896 ولحوالي 120 عاماً شهدت الخطوط إضرابات عمّالية، وتوتّرات وحوادثَ طبقية وجندرية، إلى جانب سِير غرامية وحكايات غرائبية.
ويلتفت الكتاب إلى الطريقة التي عبّر من خلالها فنّانون وكُتّاب ومواطنون عاديون عن تلك المشاعر المُختلطة من خلال الوثائق الحكومية وقضايا المحاكم والأغاني، والروايات والقصص المصوّرة، ومقالات الجرائد.