في عام 1883، نشر الكاتب الروسي أنطون تشيخوف قصّته الشهيرة "موت موظّف" وهو على مقاعد الدراسة في كلّية الطب بـ"جامعة موسكو"، في إحدى المجلّات الساخرة، ووقّعها باسمٍ مُستَعار هو "تشيخونتيه"، وتناولت صراعاً بين شخصيتين يعكس خللاً عميقاً أصاب بنية المجتمع الروسي في عصره، وربما لا يزال حاضراً حتى اليوم في بلدان عديدة.
يدور الصراع بين إيفان، الذي يُمثِّل طبقة اعتادت على الرّوتين والبيروقراطيّة في عملها الحكومي، والخوف من الطبقة الأعلى منها، التي يجسدها الجنرال بشخصيته المتعالية والمتسلّطة. ورغم بساطة الحبكة، إلّا أنها عبّرت عن أزمة ذلك الموظف الوجودية.
قُدّم النص على الخشبة برؤى إخراجية متعدّدة في مختلف أنحاء العالم، ومنها مسرحية "الكوميسير الطاهر والمفتّش بوعلام" للمخرج المغربي سعيد بكار التي تُعرض عند السابعة من مساء السبت المقبل في "مسرح الحيّ البرتغالي" بمدينة الجديدة (185 كلم جنوب الرباط).
العرض الذي أنتجته فرقة "كاين آرت"، يشارك فيه كلّ من الممثّلين زهير أيت بنجدي وأمين غوادة وأمين التاليدي وعبد العزيز الطاهري وياسين مناف وعبد الإله المين، وصمّمت الملابس صفية المعناوي، وأعدّ السينوغرافيا حمزة حمامي، وكتب الحوار عبد الباسط خضري، ونفّذ الديكور عز الدين خنوّس، وصمّم الإضاءة أنس بلالي.
تروي المسرحية، في نصّها الأصلي، قصّة الموظّف البسيط إيفان ديمتريتش، الذي وصفه تشيخوف بـ"الرّائع"، وقد ذهب ليستمتع بأحد العروض المسرحيّة ولكنّه عطس فجأةً أثناء العرض فبلّل العجوزَ الَّذي يجلس أمامه، والذي تَبيّن أنّه جنرال في مصلحة السّكك الحديديّة يُدعى بريزغالوف.
من هذه اللّحظة بدأت مشكلة إيفان في تقديم اعتذار لائق يقبله الجنرال؛ فحاول جاهداً إنهاء المشكلة على نحو مثالي من منظوره، مصرّاً على تقديم تفسير لفعله والاعتذار خمس مرّات للجنرال الذي عبّر عن استيائه وتذمّره من اعتذار إيفان، الذي ساءت حالته النفسية بسبب عدم تقبّل الجنرال اعتذاره.
يعيد بكّار تقديم القصة بطريقة مختلفة إلى حدٍّ ما، حيث يصوّر علاقة إنسانية تجمع بين الكوميسير الطاهر، ذي الرتبة العالية والمعتدّ بنفسه، وبين تابعه بوعلام، الانتهازي والوصولي الذي يسعى إلى إزاحة رئيسه باستغلال نقط ضعفه، المتمثّلة بالتدخين ومرض الربو، وفي حوارهما يتكشّف حجم الفساد المستشري في السلطة وفي المجتمع، وانعكاس ذلك على الناس في اضطراباتهم وسلوكياتهم المشوّهة.