سعود بن عبد الله الزدجالي: دراسة سيميائية في أصول الفقه

24 يوليو 2022
محمد زندرودي/ إيران
+ الخط -

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثًا كتاب "في منطق الفقه الإسلامي: دراسة سيميائية في أصول الفقه" للباحث العُماني سعود بن عبد الله الزدجالي.

يوضّح المؤلّف بأنّ أصول الفقه يقسّم "العلامات" من حيث درجة دلالتها، وكيفيات هذه الدلالة. لذا، كانت "الدلائل السمعية" (الخطاب الشرعي) بكلّ درجاتها وتحوّلاتها موضوعَ هذا العلم وخزّانَ علاماته؛ إذ تنظر السيمياء الأصولية في "الدليل السمعي"، من حيث أنه "علامة" يُستدلّ بها على "الحكم الشرعي" من جهة، وعلى مفهوم "الكلام النفسي" من جهة أُخرى، ليشغل مفهوم "الكلام القديم" في علاقته بـ"الخطاب" مساحة محورية ومزدوجة لا يدلّل على مراد المتكلّم وإرادته بقدر ما يحيل على "الفعل الإنساني" الحضاري والأخلاقي.

ويبيّن بأنّ المتلقي، في تفاعُله مع "الواقع اللساني" المتمثّل في الخطاب القرآني، يشتغل اشتغالًا محوريًا اكتسبت به السيمياء الأصولية واقعًا تجريبيًا من جهة أنه أعاد إلى الكلام النفسي شرعيته التي استمدّها من نشاط التلفّظ في مقابل اللسان، وجعله مدلول الخطاب الشرعي ليمنح المضمون الفقهي القيمةَ الأخلاقية والقانونية، أو "المطلوب الخبري" بتعبير آخر.

ثمّ يتناول الباحث مسألة العلاقة بين وجهَي العلامة اللسانية وصلتها بالخارج، حيث يشير إلى أنّ مستوى العلامة اللسانية يرتبط بمفهوم "العموم" وعلاقاته في البرَدايم الأصولي الكلّي، بوصفه نظامًا سيميائيًا، بجميع العناصر المنضوية تحته من جهة، وبكلٍّ من الواقع والذهن من جهة أخرى؛ إذ أنّ الواقع يمثّل "العالم الخارجي"، بينما يمثّل الذهنُ الكلام النفسي وما يرتبط به من "إرادة تشريعية" أو الذات المؤوّلة أو "حالة المستدل"، بالتعبير الأصولي.

ويَعتبر بأنّ سؤال "لماذا يُعَدّ الكلام النفسي مفهومًا مركزيًا وجوهريًا في السيمياء الأصولية، ولا سيما في العموم والخصوص؟"، مهمّ، ليس لأنه يستحضر "المشرّع" فحسب، بل لأنه أيضًا يُموضع الفعل التأويلي الإنساني في مركز العمليات السيميائية في البرَدايم الأصولي، مشيرًا في هذا السياق إلى سؤال آخر يتعلّق بالعلاقة بين الكلام النفسي والعموم والخصوص.

وبحسب الزدجالي، يُمكن استثمار الكلام النفسي، بوصفه مقولة جوهرية ومركزية في أصول الفقه واللاهوت الديني الإسلامي، ويمكن أيضًا استدعاء المعطيات الديكارتية اللاحقة التي لا يمكن أقصاؤها عن التأثّر بمعطيات اللاهوت من حيث هو فلسفة تأويل للصفات الإلهية، بحيث يؤدّي هذا الاستثمار إلى محاولة فهم "المظهر الإبداعي للاستعمال اللغوي"، وفي تفسير الواقعة القرآنية وارتباطها بالذهن والغريزة السيميائية.

وفي هذا السياق، يوضّح بأنّ الإنسان ليس واصفًا للكائنات أو المحيط الطبيعي بمفرداته، وإنما يمتلك القدرة الفاعلة لتشكيل المحيط عبر المشترك بينه وبين "الذات المتكلمة الأزلية" أو ذات التلفّظ متمثّلًا في الكلام النفسي؛ ما يجعل السيمياء الأصولية تنظر إلى خطاب الشرع بوصفه جسر العبور منه (المتلقّي) إلى "الذات المتكّلمة"؛ المالك الأوّل للمدلول التشريعي من حيث هو فضاء أوسع من مساحة نسيج "العلامات اللسانية"، فقام من خلال لغته، التي هي نتاج تنظيم فكري خاص بالإنسان ومترجِم لطبيعته، بتنظيم الفضاء الإلهي بالتناظر بين الذات المتكلّمة الأزلية و"الذات الإنسانية"، فتحوّلت ذاته إلى مشرِّع حقيقي بسبب استدعاء الكلام النفسي إلى الخطاب الشرعي.

في منطق الفقه الإسلامي - القسم الثقافي

وفي تناوُله لموضوع "العلامات اللسانية في السيمياء الأصولية"، يُشير الباحث بأنّ السيمياء الأصولية تنظر إلى المعنى الشرعي، أو القضية الشرعية المكتسبة من خطاب الشارع، عبر مستويات مختلفة في البرَدايم الأصولي.

وانطلاقًا ممّا يصفه بأهمية العموم والخصوص وعلاقاتهما بخطاب التكليف ودرجات البيان، يناقش علاقة العناصر المشكِّلة للعلامة اللسانية من جهة، وارتباطها بالواقع والذهن من جهة أُخرى، لفهم النموذج الأصولي في إنتاج القضايا الشرعية.

ويبيّن بأنّ "الاستغراق"، بوصفه اصطلاحًا أصوليًّا، يرتبط بالعموم والخصوص. والعلامة اللسانية الخاصّة بالعموم وضعًا في السيمياء الأصولية، هي التي تجعل الاستغراق ممكنًا؛ فـ"الإمكان" يتحقّق بوجودها، ولكنه لا يتحقّق تحقّقًا فعليًا إلّا بالنظر في الخطاب نفسه. وبناء عليه، فإن تحديد "الصيغ" أو العلامات وتصنيفها يُعدّان خطوة أولى في البرَدايم الأصولي، ليكتسب النصُّ السمة التشريعية.

هنا، يُشير إلى أنّ الأصوليّين اختلفوا في النظر إلى "صيغ العموم"، بوصفها علامات لسانية دالة على العموم، وفق مذاهبهم ومدارسهم الفقهية التي ينتمون إليها، مضيفًا أنّ السيميائيات الأصولية تختصّ باستعمال مصطلح "الصيغة" هذا في تصنيف العلامات اللسانية، في الاستثناء و"صيغ السؤال" والشرط والعموم وخطاب التكليف، وغيرها.

وفي تناوله لمسألة "الموضوع والسيرورات الدلالية"، يلفت الزدجالي إلى أنّ موضوع العلامات اللسانية الموضوعة للعموم هو موضوع إشكالي في السيمياء الأصولية؛ إذ يثير جدلًا في العلاقات بين التصور الذهني والعبارة والموضوع. وقد وظفت العلاقة الجمعية لانتزاع موضوع العلامة اللسانية، وتقوم صيغ العموم بتجميع أنحاء الوجودات بوصفها هويات عينية ليس لها "صورة كلية" في الذهن، حتى يسعفها الوضع اللساني بنسبة "الدوال" إلى المعاني، وهي المجردات الذهنية من جهة، ونسبة الموجودات إلى الإدراك من جهة أخرى، وهو الشرط الضروري والكافي لتوظيف اللغة، وإدراك العلاقة بينها وبين الفكر.

ويضيف بأنّ تصوّر الواقع في السيمياء الأصولية يكون بالحواس أو الدلائل العقلية، واللغة تمثيل داخلي للحقيقة الخارجية. لذلك، برز دور الخيال عند الغزالي، إذ تتحدّر البنى التصورية من تجربتنا الحسية؛ فالصورة الذهنية أو العمليات الذهنية تُعَدّ نقطة تمفصل لميلاد اللسان. ثمّ إن توظيف اللسان بمعزل عن الواقع لا يمكن تصوره في السيمياء الأصولية؛ فالمدلول يثوي في الذهن ولكنه يرتبط بالواقع من خلال روابط طرحها الأصوليون انطلاقًا من التعاند مع الخارج.

هنا، يلفت إلى أنّ موضوع العلامات اللسانية الخاصة بالعموم يوصف بأنه "كلية" أو كلي، ولا يمكن الإمساك به في الخارج، وتلك نزعة اسمانية ترى أن هذه الكائنات الذهنية اعتبارية، مضيفاً أنّ مصطلح "الإرجاع" ربما هو البديل الذي يمكن أن يعبّر عن عمليات الارتباط بين العلامة ومدلولها في سياق العموم. وبناء عليه، فإن الإشكال السيميائي في العمليات التأويلية الدائبة بحثًا في العلائق بين الخطاب والموضوع والتكليف، وهو توجيه الخطاب من المشرّع في مقام التخاطب إلى المتلقّي.

يُذكَر أنّ سعود بن عبد الله الزدجالي حاصل على دكتوراه الفلسفة في الآداب، تخصّص اللسانيات، من "جامعة السلطان قابوس". صدر له: "التركيب الشرطي في النحو والأصول: مقاربة في المفهوم والقضايا النحوية والدلالية والأثر الفقهي" (2008)، و"دراسات تداولية في أصول الفقه: العموم والخصوص" (2015)، و"تبرير السياسة بالدين عند نور الدين السالمي 1866 - 1914م: مقاربة تداولية نقدية" (2018)، و"ميلودراما التاريخ: سيميائيات البنية السردية والوظيفة في النصوص التاريخية العُمانية" (2021).

المساهمون