سعدي الكعبي.. أجساد وقوارب وأشجار نخيل

11 نوفمبر 2022
من المعرض
+ الخط -

يؤرّخ أغلب النقّاد الفنّيين لبدايات التشكيل العراقي مع تبلور ما يُعرف بجمعية أو جماعة "أصدقاء الفن" في أربعينيات القرن الماضي، حيث وضع هؤلاء الروّاد ــ مثل جواد سليم، وحافظ الدروبي، وشاكر حسن آل سعيد، وعبد القادر الرسّام، وغيرهم ــ اللبنات الأولى لفنٍّ يقطع مع المحاولات الهاوية التي شهدها البلد منذ بدايات القرن الماضي، عبر أعمال لا تتّصف فقط بالتكامل الفنّي، بل أيضاً باقتراح رؤية وأساليب جديدة تجمع بين الموروث العراقي والعربي وبين التقنيات الغربية.

وفي وقتٍ كانت فيه المؤسسات الفنية ترسّخ حضورها بالعراق بفضل هذا الجيل الأوّل الذي أخذ على عاتقه تدريس الأجيال الجديدة، وجد الفنان سعدي الكعبي ــ المولود في محافظة النجف عام 1937 ــ ما يكفي من أمثلة ونماذج تأخذ بيد موهبته الشابة لتصقلها وتفتح آفاقاً جديدة أمامها، وهو ما عثر عليه في أستاذه جواد سليم (1919 ــ 1961)، الذي كان له تأثيرٌ كبير على مسار الكعبي، إن كان لناحية التكوينات أو لناحية الاستلهام من الحضارة الرافدينية.

في "غاليري أورفلي للفنون" بعمّان، افتُتح يوم الثلاثاء الماضي معرضٌ جديد للكعبي بعنوان "خطاب الصمت"، يستمرّ حتى الحادي والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ويستكمل فيه بحثه في ثيمة الصمت، التي توقّف عندها وعنون بها عدداً من معارضه في السنوات الأخيرة.

ولا يبدو أن الكعبي قد قال كلّ ما عنده في ما يخصّ الصمت، الذي يبدو أشبه بنبعٍ لا ينضب بالنسبة إليه، حيث تفتح كلّ واحدةٍ من اللوحات، وكلّ واحدٍ من الشخوص التي فيها، أبواباً للقول دون أن يكون هذا القول جاهزاً أو مُعَدّاً. فالشخوص أو الأجساد البشرية التي يقدّمها، والمرسومة بلا تقاسيم وملامح كثيرة، لا تخبرنا الكثير (اللهمّ إلا رموزاً وإشارات تُحيل إلى جنسها)، وصمتُها يفتح الباب على التأويل الذي يبقى الوسيلة الوحيدة لفكّ شفرة "خطاب الصمت" هذا.

من المعرض
من المعرض

وبعد أكثر من أربعة عقود من العمل التشكيلي، ما يزال الفنان العراقي وفياً لرؤيته التي تجعل من الإنسان ــ ومن جسده، العاري في كثير من الأحيان ــ مركزاً للوحته وشاغلاً أساسياً لها، وفي غياب العناصر الثقافية التي يتوشّح بها الجسد عادةً (مثل الثياب)، يتحوّل البُعد البيولوجي، من عضلات وحركة وحيوية، إلى قاسم مشترك بين أغلب هذه الشخوص التي نميّزها بمتانة بُنيتها الجسدية أو بهشاشتها، بسِعَة أكتافها وصدرها أو بتقوقعها على نفسها.

على أن شخوص الكعبي، ورغم قلّة ملامحها وعُريها، لا تبدو شخوصاً بالمطلق، بعيدة عن أيّ هوية أو انتماء؛ فالفنان يذكّرنا، في أكثر من لوحة، بأصلها وانحدارها من بلاد الرافدين، إن كان عبر أشكال لرسومات وآلهة تذكّر بأساطير وتاريخ الرافدين، أو عبر حملها لمصغّراتِ قوارب وأشجار نخيل، وهو ما لا تُخطئ العين في ردّه إلى الموروث العراقي.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون