لطالما عادت زينب سديرة إلى أرشيف عائلتها في معظم أعمالها التركيبية، لتبحث عن تلك التقاطعات بينه وبين الذاكرة الشعبية في تعبيراتها المختلفة، مثل الأفلام التي أُنتجت في الجزائر ما بين الستينيات والثمانينيات، وكذلك البطاقات البريدية وقصاصات من صحف ومجلّات، في اختبار للرواية الشخصية ضمن تاريخ الجماعة.
واشتبكت الفنانة الجزائرية الفرنسية (1963) مع قضايا حسّاسة وراهنة تتمثّل في خطابات ما بعد الاستعمار، واللغة والتاريخ الشفوي، والهجرة وتعدّد الهوية الثقافية، كما يعكس ذلك معرضها الذي يُفتتح السبت، الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في "متحف هامبورغر بانهوف للفن المعاصر" ببرلين تحت عنوان "الأحلام ليس لها عناوين"، والذي يتواصل حتى الثلاثين من تموز/ يوليو المقبل.
تعود سديرة في مشروعها الجديد إلى التضامن الدولي مع حركات التحرّر الوطني في العالم الثالث، في محاولة لاستيعاب لحظة تاريخية حملت الكثير من الوعود للشعوب التي ناضلت من أجل استقلالها، لكنّ معظمها لم يتحقّق وظلّ بالنسبة إلى هذه الشعوب أشبه بحلم مستحيل.
تتناول نقطة تحوُّل فكرية وثقافية في مرحلة ما بعد الاستعمار
مجموعة من الأفلام والمنحوتات والصُّوَر الفوتوغرافية والكولاجات والأعمال الصوتية تتجاور معاً في استعراض لزمن مضى يبدأ في جزائر الخمسينيات حيث تُهاجر عائلتها إلى باريس، وهناك تظهر شاشة دار سينما عتيقة الطراز، لتنطلق رحلة بحث الفنّانة التي شُغفت بالسينما منذ طفولتها، لتتفحّص أفلاماً يعود أقدمها إلى ستينيات القرن الماضي، كجزء من الإنتاجات المشتركة في بلدان فرنسا وإيطاليا والجزائر على وجه الخصوص، وتتناول نقطة تحوّل رئيسية تركت تأثيرها على التصوّرات الفكرية والثقافية في مرحلة ما بعد الكولونيالية.
تهتمّ سديرة بحركة الفن والمجتمع والحياة اليومية في أفلام مثل "معركة الجزائر" (1966) للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو، والذي احتجّت عليه فرنسا بسبب فضحه ممارسات القمع والتعذيب التي قامت بها قوّات المظلّيين الفرنسيّين في العاصمة الجزائرية أيام معارك 1955 - 1957 مع الثوّار الجزائريّين، وكذلك الفيلم الوثائقي "طليق اليدين" (1964) للمُخرج الإيطالي إنيو لورنزيني الذي يصوّر الحياة في الجزائر بعد نيلها الاستقلال.
أفلام وثائقية أخرى أُنتجت خلال الفترة ذاتها تتّكئ عليها الفنانة لمخرجين فرنسيين من أمثال كريس ماركر وآلان رينيه، تشكّل مجموعةً خلفية لإنتاج فيلم مدّته 23 دقيقة يلغي الحدود بين الخيال والواقع، بين الذاكرة الشخصية والجمعية، ويقارب قضايا الاستعمار والنفيّ والتمييز العنصري من منظور ينزع نحو تصوير الوقائع بمزيج من المرح والرومانسية.
سديرة، التي عرضت عملها في الدورة الأخيرة من "بينالي البندقية" كممثّلة لفرنسا، واجهت هجوماً واسعاً من مجموعات مؤيدة للكيان الصهيوني في أوروبا، أخفقت في منعها من المشاركة، وهي تصّر منذ بداياتها خلال التسعينيات على تخليص التاريخ الجزائري والأفريقي عموماً من كليشيهات وأحكام لا يزال يتمسّك بها المستعمِر.