زيدان كفافي.. القدس بين التوراة وعلم الآثار

02 اغسطس 2021
(مدينة القدس عام 1920، Getty)
+ الخط -

يرى أستاذ الآثار والباحث الأردني زيدان كفافي (1950)، أن بعثات التنقيب التي بدأت في القدس منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتواصلت خلال فترة الاستعمار البريطاني، وبعد وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، لم تفض إلى أي اكتشاف أثري يدلّ على مدينة تُسمّى "أورشاليم" بحسب الوصف التوراتي، وأن مملكتي يهودا والسامرة قامتا لمدة لا تزيد عن ستين عاماً لكن خارج أسوار المدينة الحالية.

"القدس قبل الإسلام: بين النصوص التوراتية والمصادر التاريخية والآثار"، عنوان كتابه الذي صدر حديثاً عن "دار الشروق" في عمّان بدعم من وزارة الثقافة، ويفصّل كيف أن الحفريات خلال أكثر من مئة وخمسين عاماً لم تخدم وجهة النظر الإسرائيلية بشكل خاص، وعلماء اللاهوت بشكل عام، وأن بعضاً من الآثاريين الإسرائيليين قد اقتنعوا الآن بعدم وجود بقايا مدينة من القرن العاشر قبل الميلاد في منطقة الحرم الشريف، فانتقلوا باحثين عنها في منطقة "الظهورة" (التل الجنوبي الشرقي من موقع المسجد الأقصى).

يتناول الفصل الأول من الكتاب جغرافية القدس، ويضيء الثاني تاريخ الدراسات الأثرية الميدانية التي جرت في المدينة حتى الوقت الحاضر، بينما يروي الفصل الثالث الخطوات الأولى للإنسان على تراب القدس التي تعود إلى حوالي 250 ألف سنة من الآن، إذ عثر على أدوات صوانية في منطقة الشيخ جراح بالقدس تعود للإنسان المتنقل والجامع للطعام، كما تشير المخلفات الأثرية إلى أن بداية الاستقرار في المنطقة كانت بالقرب من عين سلوان/ ستنا مريم وتؤرخ للألف الرابع قبل الميلاد.

لا يوجد أي اكتشاف أثري يدلّ على مدينة تُسمّى "أورشاليم" بحسب الوصف التوراتي

أما الفصل الرابع، فيتحدث حول القدس في المصادر التاريخية المكتوبة والتي عثر عليها في مصر وبلاد الرافدين، حيث أشارت المصادر الفرعونية المكتوبة بالخط الهيروغليفي إلى أن أقدم ذكر لاسم المكان "أورشليمم" قد كتب في نصوص تسمى "نصوص اللعن"، وتؤرخ لحوالي 1900 قبل الميلاد. وبقي الاسم متداولاً في الكتابات التاريخية اللاحقة. 

يتعرض الفصل الخامس للنصوص التوراتية ومنها نصوص من سفر التكوين وتتحدث حول ارتحال "أبرام" من جنوبي العراق الحالي وانتهائه في بلاد كنعان، ومن ثم يناقش آراء بعض العلماء لهذا النص التوراتي. وتشتمل القصة التوراتية أيضاً على قصة يوسف ورحلته وإقامته في مصر، وتكتمل بخروج اليهود من مصر متوجهين لأرض كنعان، ودخولهم لأرض فلسطين وتوزيع الأرض على القبائل الاثنتي عشرة، ومن ثم تأسيس الدولة الموحدة خلال القرن العاشر قبل الميلاد، وانتهائها قبل أن تتم القرن من عمرها، حيث يناقش المؤلّف كل هذه الأحداث معززاً رأيه بالكتابات التاريخية والآثار المكتشفة في القدس، ويوضّح أن سكان القدس "اليبوسيون"، لم يخرجوا من القدس على الرغم من زعم التوراة أن داود قد احتلها. 

ويطرح الفصل السادس "التوراة والأرض الموعودة"، تساؤلاً حول فلسطين الجغرافية إن كانت هي بلاد كنعان التوراتية؟ ويخلص المؤلف إلى أن النصوص التوراتية لا تقطع بحدود الأرض الموعودة جغرافياً، ولا حتى الأرض المقدسة محددة بشكل دقيق. ويناقش الفصل السابع كيف حاول الباحثون الغربيون أن ينسجوا من المرويات التوراتية حقائق تاريخية ودينية، أي محاولة تحويل روايات التوراة إلى تاريخ، ولتحقيق هذا الغرض اتبعوا عدة مناهج وطرق بحثية. 

غلاف الكتاب

تشكل فلسطين الجزء الجنوب الغربي من بلاد الشام، ويعدّ تاريخها جزءاً لا يتجزء من تاريخ هذه المنطقة، وسكنها الناس منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الآن دون انقطاع، بحسب الفصل الثامن، حيث تأسست في فلسطين أقدم القرى والمدن.

يتناول الفصل التاسع ما جرى لمدينة "أورشليم" خلال الفترة بين حوالي 1200 و923 قبل الميلاد من خلال دراسة لما ورد في كتاب العهد القديم، خاصة في سفري التكوين والخروج، وكيفية احتلال داود لأورشليم من اليبوسيين. ويقدم الفصل العاشر دراسة حول أورشليم بعد السبي البابلي ووقوعها تحت السيطرة البابلية، حيث لم يسب الكلديون/البابليون جميع اليهود من يهوذا، وأن المسبيين كانوا الأسرة المالكة والكهنة والصنّاع، وأبقوا فيها أصحاب الكروم والفلاحين والمساكين. 

يتحدث الفصل الحادي عشر حول أورشليم بعد دخول اليونان إليها بعد انتصار الإسكندر المقدوني على الملك الفارسي داريوس/ دارا في معركة إبسوس التي جرت في عام 333 قبل الميلاد. ويستعرض الفصل الثاني عشر دور الروم في إعادة بناء أورشليم، خاصة في زمن الملك هيرود، حيث بلغت المدينة قمة ازدهارها. 

ويعالج الفصل الثالث عشر تاريخ وآثار "إيليا كابيتولينا" في الفترة بين 135- 324 ميلادي، التي بنيت حسب مخططات المدن اليونانية-الرومية، بينما يبيّن الفصل الرابع عشر نتائج الحفريات الأثرية التي جرت في المدينة وكشفت عن مبان عمرانية ضخمة لا يزال بعضها ماثلاً للعيان. 

 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون